يحاول النواب "المستقبليون" تبرير الدعوة وتلطيف الأسباب التي دعت إلى عقد مؤتمر عام لـ"تيار المستقبل" خلال تشرين الأول المقبل، وقال النائب محمد الحجار إن هذا المؤتمر تمّ تأجيله بسبب الظروف الأمنية التي منعت الرئيس الحريري سابقاً من الوجود في لبنان.
منذ غياب الهالة الشخصية للرئيس رفيق الحريري، وانتفاء وفرة المال، وتراجع الخدمات الاجتماعية والصحية عبر مؤسسات الحريري، يعاني "تيار المستقبل" من أزمة مصيرية ونهاية محققة، وهي باتت قريبة نتيجة للأسباب الآتية:
البنية البورجوازية:
منذ تعيين النائب السابق أنطوان أندراوس نائباً لرئيس "تيار المستقبل"، وهو الآتي من صندوق المهجّرين، مع ما يتضمن هذا الصندوق من صفقات، إلى تعيين الرئيس السنيورة رئيساً للكتلة النيابية، مع ما لتاريخه من بصمات مالية ملتبسة وقرارات غير شعبية، إلى تزكية أحمد الحريري أميناً عاماً لـ"تيار المستقبل"، مع ما يتصف به من عنجهية عائلية، إضافة إلى "الحرس القديم" الذي ورثه سعد الحريري عن والده، والذي تخضرم في الانتفاع من الصفقات تحت عباءة آل الحريري، إلى حد بيع الذمم في قضية الضباط الأربعة، سارع المخلصون والأوفياء لرفيق الحريري لنصح نجله سعد بنفض هذا الإرث من حوله، لكنه لأسباب عديدة لم يتمكن من ذلك، وكان عليه أن يقرأ جيداً خروج النائب والوزير السابق بهيج طبارة عن مسار "المستقبل"، وهو الذي كان من الإرث النظيف، على المستوى الأخلاقي الرفيع والوطني الجامع، والكفاءات القانونية والإدارية.
الخطاب السياسي:
بالغ الرئيس سعد الحريري في التخبّط بشأن تأسيس رؤية حزبية يخاطب بها الجماهير، خصوصاً فئة الشباب، علماً أنه سبق له أن خلع السترة في مهرجان 13 آذار 2011؛ في محاولة منه للتقرُّب من الشباب، وللإيحاء بأنه مواكب لثورة وفورة تطلعاتهم وأحلامهم، لكنه غادر في آب من العام نفسه، وكانت الغيبة الطويلة، بعد أن ربط مصيره بنصر إقليمي في سورية، وعدم العودة سوى عبر مطار دمشق، تاركاً خلفه وعوداً هي أشبه بوعود عرقوب، وعاد ليخاطب الناس بنفس اللهجة: "مشروع رفيق الحريري" و"العبور إلى الدولة"، علماً أن مشروع والده كان يعتمد على المال غير المتوفر حالياً، والعبور إلى الدولة باتت كلمة خشبية لا تصوّب سوى على حزب الله وسلاحه، واللبنانيون باتوا يرون الدولة الموعودة التي يكررها الحريري والسنيورة أنها ليست سوى دولة مفلسة وعاجزة عن سداد خدمة الدَّين العام.
واليوم، ومع وضع موضوع الشباب والمرأة على جدول أعمال المؤتمر المقبل لـ"تيار المستقبل"، في محاولة أخيرة للرئيس الحريري لاستنهاض بقايا الحيثية الشعبية، وبما أن "المستقبل" مبني على المنفعة المادية والمؤسسات الخاصة الداعمة للشباب، والتي لم تعد موجودة، فإننا نجزم بأن السفرة المقبلة للرئيس الحريري بعد التعديلات التي قد يجريها على بعض المراكز في "التيار"، هذه السفرة قد تكون أشبه بمن سلّم الأمانة لمن توفّر لإدارة النزاع الأخير لـ"المستقبل"، بعد أن فشل في أن يجعل من "المستقبل" التيار القائد لفريق 14 آذار، والتيار الحائز على حصرية التمثيل السُّني، والتيار الذي بإمكانه حمل رسالة القومية العربية التي كانت صفة أهل السُّنة في لبنان، ولم يتمكن الحريري من إرضاء أحد، وسقط سياسياً بالمنظور السعودي، وانتهى الأمر.
الشخصنة الفردية والشخصية الحزبية:
كثيرة هي الأحزاب التي لمعت بأشخاص مؤسسيها وقادتها ودامت مدرستها من بعدهم، كالحزب السوري القومي الاجتماعي على سبيل المثال، لكن هناك أحزاب مرتبطة حالياً بأشخاص قادتها ومصيرها موضع تساؤل وقلق من بعدهم، لكن "تيار المستقبل" ينتهي بوجود وحضور سعد الحريري، لأن هذا التيار منذ بداياته كان يعني للناس أنه شخص رفيق الحريري، وهو الآن يعني لهم شخص سعد الحريري، نتيجة غياب الشخصية الحزبية للتيار كمدرسة وكمؤسسة لها برنامج مستقبلي وخطط عمل، وبالتالي فإن المصير المرتقَب والواضح لـ"تيار المستقبل" هو المزيد من التفسّخ، والرئيس الحريري يلعب بالوقت الضائع بكتلة برلمانية فاقدة للتمثيل الشعبي، ولن تبقى كما هي في العام 2017، مهما كان قانون الانتخاب العتيد، بعد أن انكشف بلدياً وأفرزت الصناديق كل الأحجام.
بناء عليه، وحيث إن كارثة "سعودي أوجيه" أدّت إلى تنازل الحريري عن معظم أسهمها إلى سعوديين، وسط انتفاضات واحتجاجات يومية لآلاف الموظفين والعمال نتيجة عدم قبض رواتبهم، ومواجهات دائمة مع الشرطة والقوى الأمنية الأخرى، بدا تعليق أحد مديري الشركة من الرياض بليغاً، ويحمل الدلالة الدامغة عن المصير السياسي والشخصي للرئيس الحريري، حيث قال ضاحكاً:"عندما كان مطلوباً من الرئيس الحريري أن يتواجد في بيروت في السنوات الماضية، أمضى وقته هنا، ليكتشف متأخراً ضرورة عودته إلى بيروت، والعكس صحيح، أي أن الحريري مطالب اليوم بأن يتواجد في السعودية، لطمأنة جيش الموظفين"، خصوصاً أن مصيرهم كما الشركة مجهول، وتبدو مشكلة سعودي أوجيه متشعبة الأوجه.
لا في بيروت ولا في الرياض سيجد الرئيس الحريري نفسه، ويُخشى، وهي الفرضية الأرجح، أن يبتعد تحت ذريعة الاعتكاف، وينتهي به الأمر إلى التقاعد بالتقسيط، والتأقلم مع وضعه السياسي والمادي، وفق ما تبقّى من رصيد، وإلى أرصفة المقاهي الباريسية للمتابعة من بعيد، بانتظار الاستحقاق النيابي في العام 2017، الذي لن يعيد له العز الذي كان.