مقوّمات مجهولة فعلًا تقف وراء صمود حكومة سلام، أبسطها أنها وحيدة على الساحة ولا بديل عنها، وأقلها بساطة أنها تخشى رمي البلاد في المجهول في هذه الظروف المعقّدة، هذا من دون الأخذ في الاعتبار انتشاء كثيرين بلقب “المعالي” ممن لم يحلموا به يومًا أو اختبروه فتعلّقوا به.
حدّ الاهتراء...
لا بنود خلافية في جلسة الأمس، فعلى قاعدة “السير مع الحائط بحثًا عن السترة” يتعاطى سلام الذي سبق ولوّح باستقالته في غير مناسبة يوم نخر التنافر جسد حكومته حدّ الاهتراء. لن يطول ذاك الترقيع طويلًا، فالرجل البراغماتيكي الذي لا يحسده كثيرون على موقعه يعي كلّ الوعي أن هذه الملفات لا بدّ من أن تُطرَح قريبًا. جلّ ما في الفكرة أنه أراد إرجاء الاشتعال خوفًا من استقالة جديدة خصوصًا أن لهيب استقالة الكتائب لم يبرد بعد. فلا ملف النفايات العائد بقوّة الى الساحة يجد الى الحلّ سبيلًا وهو ما كان السبب المُعلن وراء استقالة الكتائبيين، ولا ملف أمن الدولة متيسّر الحلّ، ولا صورة ملف الإنترنت ورديّة ولا ولا...
هاجسان أساسيان
لم يعد سلام ببساطة قادرًا لا على فكّ نزاع ولا على ربط آخر، فكلٌّ من زملائه وجليسيه يريد ما يريده على قياسه، واليوم تأتي استقالة وزير الكتائب (آلان حكيم فعليًا بعد عودة سجعان قزي) لتضاعف هواجسه الشخصية وتحديات حكومته. ربما أنقذ سامي الجميل الرئيس سلام من حيث لا يدري أقله على مستوى التساؤلات الميثاقية التي باتت محيطة بها. فاستقالة الوزير أشرف ريفي أولًا، وبعدها الكتائب تطرح اليوم هاجسين جوهريّين على سلام أن يتعاطى معهما بجديّة مفرطة: أوّلًا، انسحاب الكتائب كفريق سياسي من الحكومة له تأثيراته على مستوى تمثيلها جميع الأطراف تجانسًا مع مسمّاها “حكومة المصلحة الوطنية”. ثانيًا، هذا الانسحاب كان ليلقي الضوء على ميثاقيتها الطائفية لولا عودة قزي عن استقالته بعد فصله من حزبه وبالتالي إحقاق نوع من المناصفة الطائفية بين المنسحبَين الاثنين (ريفي وحكيم).
شريكٌ في الفشل
سياسيًا، انضمّ الكتائبيون الى صفوف القواتيين المحاربين من بعيد، أو قلْ المنظّرين بعدما خرج الجميل ليصوّب على الحكومة من باب ملف النفط واصفًا إياها بالفاشلة، وهو ما تستغربه مصادر حكومية مشيرةً الى أن “الجميل في هذا المعنى كان شريكًا في الفشل طوال سنتين ونيّف في حال التسليم بالفشل”. قد لا يؤثر غياب الكتائبيين عن الحكومة كثيرًا أقله على صعيد مسار القرارات التي ستتخذها والملفات التي ستقاربها خصوصًا أن أبناء بكفيا باتوا في الآونة الأخيرة أشبه بحجر عثرة في وجه ملفّات جمة يعترضون عليها من باب الاعتراض لا أكثر سعيًا وراء التمايز، وهي نظرية يرتقي بها بعض زملائهم السابقين على الطاولة الحكومية. ومع ذلك، مخطئ من يظنّ أن انسحاب الكتائب قد يسهّل اتخاذ القرارات والتصويت عليها لا سيّما أن بقاء الأضداد على طاولةٍ واحدة يحول دون ذلك، ولم يكن الصوت الكتائبي سوى تفصيل بسيطٍ من مشهدية متنافرة كبرى.
سلام لا يخشى!
لا تبدو في نفس سلام خشيةٌ دفينة من أن يتكرر السيناريو الكتائبي على ما يُسرُّ بعض المقرّبين منه، فهو ومن خلال تماسه مع الكتل المشاركة يعرف خير معرفة أنها كلّها على وعي تام إزاء خطورة هجرة الحكومة، وعليه يعوّل تمام بك على صمود الباقين من دون أن تطّرد توقّعاتٌ باستقالاتٍ آتية طالما أن الاشتراكيين سخروا من موقف الكتائب، والعونيين واضحون في نظرية المحاربة من الداخل لا الخارج، وحزب الله وأمل أذكى من أن يفرّطا بالحكومة في هذه الظروف الراهنة، والرئيس سليمان لم يعد لديه ما يربطه بالسلطة والأيام الغابرة سوى ثلاثة وزراء لن يغامر بهم، وسلام في النتيجة لا فائدة من استقالته رغم أنها وحدها كافية لفرط الحكومة حتى لو بقي فيها الجميع من دونه.
رهانٌ ساقط...
هو قدرُ حكومة سلام. من كان ينتظر من تلك الحكومة أن تعمّر أكثر من أشهرٍ معدودة؟ من كان ينتظر أن تصمد طوال فترة الشغور الرئاسي رغم أن كثيرين راهنوا على سقوطها السريع في فتراتٍ متفاوتة لم تكن آخرها يوم رفع رئيسُها سقفه ولوّح بالرحيل بعدما اعتكفت كتلٌ رئيسة عن الحضور. لمَ تبقى في الأساس؟ ليس الجواب “الكليشيه” الذي يتحدث عنه بعض المتكمّشين بالكرسي سوى واقعٍ أليم مفادُه أن لا بديل عن هذه الحكومة وأنها أهون الشرّين...