كيفما تجولت على الطرقات الجنوبية من صيدا الى الزهراني وصعودا نحو النبطية ومرجعيون وحاصبيا، يطالعك اطفال بعمر الورود لم يسلموا من أذى الدهر، يعاندون القدر ويقتربون منك بكلمات توجعك احيانا وتؤنسك احيانا اخرى، يصرون عليك لابتياع ما يحملونه.
هي ظاهرة التسوّل وقد ازدادت انتشاراً في الآونة الأخيرة، كما أكدت مصادر أمنية لـ"النشرة"، متحدّثة عن مشغّلين، أكثريتهم من النازحين والمقيمين السوريين إضافة إلى لبنانيين وبدو وآخرين، يقومون كلّ صباح بنشر الصبية والأطفال والفتيات على جوانب الطرق، ليعودوا ويجمعوهم مع الغروب في فانات مقفلة.
وكشفت المصادر أنّ القوى الامنية في مختلف مناطق ومدن الجنوب ومن خلال الدوريات بدأت تطبيق خطة أمنية بشكل غير معلن لمكافحة ظاهرة التسول هذه، وذلك تطبيقا لقرارات ومندرجات المجلسين الامنيين الفرعيين في النبطية والجنوب، وحتى لا تؤدي إلى إنتاج بؤر أمنية قد تهدّد الأمن والسلامة العامة، موضحة أنّ هذه الخطة تهدف الى القضاء على هذه الظاهرة وملاحقة رؤوس الشبكات الاجرامية ومشغلي الاولاد القصر.
ولفتت المصادر إلى أن عملية مكافحة هذه الظاهرة للتسول تتم بالتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية والمؤسسات الاهلية في الجنوب التي تساعد في ايجاد الحل الملائم للاطفال المتسولين.
وفي سياق متصل، أبلغت مصادر معنية بالتسول السوري في الجنوب "النشرة" أن لا إحصائية دقيقة لدى مؤسسات الدولة الرسمية او الامنية تثبت عدد العمال الاطفال السوريين في الجنوب، حتى ان وزارة الشؤون الاجتماعية ومكاتبها المتعددة المنتشرة في مناطق النبطية والجنوب لم تحص اعداد هؤلاء الاطفال السوريين العاملين في مدن وبلدات وقرى الجنوب بسبب الاعداد الكبيرة للنازحين السوريين الى القرى الريفية الى الجنوب وما يرافق ذلك من ازدياد الاطفال السوريين العاملين في الجنوب كما غيره من المناطق اللبنانية لعدة اسباب في طليعتها الفقر والعوز والحاجة.
إلا أنّ جمعيات أهلية في النبطية والجنوب كشفت لـ"النشرة" ان الحصيلة الاولية اظهرت ان هناك 14 آلف طفل سوري يعملون في الجنوب في مهن وحرف واعمال ليست من اختصاصهم، حتى ان بينهم عدد كبير هم من بائعي العلكة وعمال الافران وماسحي الاحذية والمتسولين، وهم موزّعون كما يلي: 2000 طفل في النبطية ومنطقتها، 3000 في صيدا وقضائها، 2100 في قضاء الزهراني، 2700 في قضاء صور، 1200 في قضاء مرجعيون، 900 في قضاء حاصبيا، 500 في قضاء جزين، 1600 في قضاء بنت جبيل.
وفي سياق متصل، أكد مصدر رسمي معني لـ"النشرة" أنّ عمالة الاطفال السوريين في مدينتي النبطية وصيدا وصور ومنطقتها ادت لتراجع العمالة اللبنانية لاسباب عديدة اولها رخص اليد العاملة السورية، كما ان صاحب المؤسسة غير معني بادخالهم في الضمان الاجتماعي وبالتالي لا يتحمل اي اعباء على اليد العاملة الاجنبية، الامر الذي دفع عددا من المؤسسات لطرد عمالها اللبنانين واستبدالهم باطفال وعمال سوريين من دون ان تتدخل وزارة العمل لغاية تاريخه.
وأشار المصدر إلى أنّ مناطق الجنوب لم تعرف التسول الا مع الاطفال السوريين وهي ظاهرة مسيئة للمجتمع، مشدّدا على أنّ مكافحة هذه الظاهرة يحتاج الى خطة امنية واسعة تشارك فيها كل الوحدات الامنية الرسمية وعلى مستوى كل لبنان وكذلك مؤسسات وجمعيات الامم المتحدة لاطلاق مشروع التدريب المعجل للاطفال السوريين وتوجيههم الى العمل المهني بعد ارشادهم اليه من كل النواحي كما هو جار مع الاطفال اللبنانيين المشمولين باتفاقية حمايتهم من الاخطار والمصاعب.
من جهة ثانية، تحدّثت المصادر عن ضباط حالات دعارة بين عدد من الفتيات النازحات مع أشخاص لبنانيين مقابل 20 ألف ليرة في بعض الأماكن، إلا أنّ هذا العدد قليل، باعتبار أنّ المجتمع الجنوبي محافظ على التقاليد والأعراف والقيم، مشيرة في الوقت عينه إلى أنّه لم تتم مكافحة هذه الحالات لمنع تكرارها لان القوى الامنية تعطي اهمية للمخاطر الامنية اكثر منها لتلك الامور، وان كانت تشكل خطرا على المجتمع المحلي وتساهم في الانحلال الاخلاقي، مؤكدة ان بعض هذه الحالات ضبطت في شقق مستأجرة بين النبطية والزهراني. وأشارت إلى ان مشغلين لفتيات سوريات من دون العشرين يقومون كل صباح بتوزيعهن على طول الخط الممتد من جسر حبوش حتى الزهراني، حيث يعملن على اصطياد الرجال بأسعار تبدأ من 10 آلاف ليرة حتى 50 ألف، وقد ضبطت القوى الامنية اكثر من 20 حالة من هذا النوع الا انه افرج عنهن بعدما اعلنت الفتيات ان هذا الامر تم برغبتهن وقبولهن ونظرا لحاجتهن للمال.
عمالة الأطفال السوريين ظاهرة جديدة لم يعرفها جنوب لبنان من قبل، لكنّها ظاهرة خطيرة وتداعياتها وخيمة بلا شكّ، وقد يكون تطبيق القوة الأمنية فوراً من دون إبطاء الحلّ الوحيد لوضع ضوابط لها، ولو بالحدّ الأدنى...