لا يبدو ان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في وارد ان يقدم جردة لجمهوره او محازبيه، جردة حساب بعد اكثر من اربع سنوات من تدخل حزبه في الحرب السورية.
اولا كانت المقامات الدينية مسوغا لتدخل غير مفهوم في سورية، ضمن ثورة مدنية تحولت الى انتفاضة مسلحة. الى ان بات اليوم يجري تسويغ هزيمة حزب الله في سورية بالمقدسات اللغوية من مثال: "الكل استشهد بكربلا".
الحسم في سورية لن يحصل، وان حصل فبالتأكيد لن يكون لصالح "النظام"، وعلى رأسه بشار الاسد. فعقارب الساعة لن تعود الى الوراء. هذا حكم التاريخ. لا جدوى من استمرار قتال حزب الله في سورية. فمنذ ان تدخلت روسيا في صيف 2015، نجحت في مسعاها: انقذت النظام من الانهيار. وانتعشت بعدها آمال الممانعة وكل رهاناتها. واستعادت ايران خطاب الحسم العسكري. لكن روسيا ليس في بالها موال الحسم العسكري. وكانت معارك حلب وريفها رسالة الى ايران وميليشياتها انه بلا غطاء جوي روسي لن تستطيعوا ان تفعلوا شيئاً. بل ستتراجعون. لقد بدا واضحا ان الغطاء الروسي الاميركي هو الذي يقرر سير العمليات ونتائجها في مسار المواجهات ومآلاتها، إن في حلب أو في محيطها... لا سيما بالنسبة الى الجيش السوري والقوات الحليفة له على الارض.
الجدوى واضحة الانتفاء. فروسيا التي انعشت النظام السوري، اهدت اسرائيل دبابة كان غنمها الجيش السوري. توقيت هذه الهدية ليس عفويا، بل هي رسالة واضحة الى ايران التي كانت تتغنى بالتدخل الروسي في سورية. وهذا بذاته يكشف الرهانات الخاسرة لتدخل حزب الله في سورية.
فروسيا لا تأتي الى سورية لتخدم ايران، بل تأتي كدولة كبرى تعيد التوازن الى سورية، ومشهد الدلع الروسي الاسرائيلي، هو اكبر صفعة في وجه من يقول انه يقاتل المشروع الصهيوني في سورية. كما ان الاتفاق الروسي – الاميركي ثابت تجاه خيار الحل السياسي. فيما المعارضات السورية على تنوعها اثبتت قدرة على الصمود والمبادرة في الميدان جعل من فكرة سيطرة الممانعة على المدينة غير واقعية... بميزان القوى العسكري من جهة، او من جهة اخرى بسبب الخطوط الحمر الروسية - الاميركية التي وضعت في الميدان السوري.
العلاقة الروسية الاسرائيلية، تتطور في الميدان السوري، فيما الممانعة، ولا سيما حزب الله، يحاول ان لا يرى ما يجري، ويوحي انه لم يسمع بمناورات عسكرية روسية – اسرائيلية جوية ستجري هذا الصيف فوق البحر المتوسط وامتدادا الى الشواطىء اللبنانية. روسيا لا تعمل بطبيعة الحال في خدمة ايران، ولا في خدمة شعارات حزب الله. واوراق الازمة السورية وحلولها تتجمع في مكان واحد ليست ايران ولا حزب الله فيه. والرهان السوري خاسر. وحزب الله لا يزال حتى الآن، في مواجهة مساءلته داخل بيئته، قادرا على ان يستخدم لغة التخوين. فهو لا يزال قادرا على استخدام الارهاب الناعم داخل بيئته التي باتت تطالب بكشف حساب... فيما تزداد التساؤلات عن جدوى البقاء في سورية.
قال السيد حسن نصرالله في خطابه الاخير لجمهوره ان "26 مقاتلا من حزب الله سقطوا لحزب الله خلال شهر حزيران في ريف حلب، فيما سقط 617 للجماعات المسلحة". بمعزل عن الدقة في سرد الوقائع، لكن ذلك لا يجيب عن سؤال الجدوى: ذهب منهم 617 وذهب منا 26، وماذا يعني هذا الخطاب؟ هل هي عقلية البطل الذي يغلب من يواجهه ويذهب الى آخر الدنيا من اجل ان يظهر انه بطل فقط... بلا غاية ولا هدف سوى ان يقال انه البطل. هذا حال حزب الله حين تورط في رهانات ايرانية خاسرة داخل سورية والفلوجة العراقية وفي اليمن. وها هو يكشف عن هشاشة في الخطاب وفي الرؤية وفي القدرة على مواجهة قضية جد متوقعة، الا وهي مسألة العقوبات المالية.
العقوبات اظهرت هشاشة هذا التكوين الذي اسمه حزب الله البطل. لقد توهم، نتيجة تضليل وتدليس واوهام في تضخيم قدراته، فأصبح اليوم عاجزا تماما امام هذه العقوبات. وقد اصبح هو والعقوبات عالة على الايرانيين. الاستخفاف والتجاهل واوهام القوة من قبل السيد نصرالله، اوصلت حزب الله الى ان لا يخجل بالقول: "اكلنا وشربنا من ايران". اليس في هذا اهانة لك ولحزبك؟ اليس هذا اعترافا انك لست حزبا لبنانيا او عربيا اصيلا؟
خسر حزب الله احترام اللبنانيين. حتى محازبيه وعائلاتهم. خسر احترام الحلفاء. هل يقبل ميشال عون ان يكون اكله وشربه من ايران؟ ماذا عن حلفائه السنة؟ والدروز؟
خسر حزب الله وبات عاريا تماما: مجموعة ايرانية ترتزق من ايران، معزولة عن العالم، تواجه قوانين عالمية بالتفجيرات والتهديات الكلامية، ولا تستطيع ان تكون جزءا من مجتمع لبناني ولا عربي ولا عالمي.
انها لحظة سقوط كامل. ويخيل احيانا للطير المذبوح انه يقصف اعدائه بسيل دمائه.