رسالة جديدة تكتب بحبر الدم عنوانها القاع، تعيد طرح السؤال عن مدى علاقة ما يحصل مع التجمعات العشوائية والمخيمات السورية على الاراضي اللبنانية، والتي قد تتحول، اذا استمرت اللامسؤولية والحزم في مقاربة اوضاعها، الى مخيمات بارد، ودويلات جديدة ضمن الدولة اللبنانية.
ومنذ العام 2011 والارتجال سيّد الموقف في التعاطي اللبناني مع ملف النزوح السوري، والتعهدات ما دون التوقعات. مع بداية الأزمة، استخف لبنان الرسمي بالملف، وأدخله اللاعبون المحليون في بازارات السياسة والمزايدات والاستفادة حتى، فبقيت الحدود اللبنانية السورية مشرّعة الابواب، حتى كبرت كرة النزوح، فتحوّلت الى قنبلة ديموغرافية واجتماعية وامنية، بصاعق جاهز للتفجير في اي لحظة.
هي المأساة التي تتكرر بعد ستة عقود، وكأن احداً لم يتعلّم، او غض الطرف عن سابق معرفة، من الأزمة الفلسطينية وتداعياتها على الواقع اللبناني، والتي كانت من الاسباب المباشرة لاندلاع الحرب، وتفتت اوصال الدولة، وتصدع هيكل المؤسسات. رحم الله العميد ريمون اده وتحذيره من اتفاق القاهرة وما قبله وما بعده، فهل من يتعظ اليوم؟
في الواقع، هو التقصير الفاضح، الذي يحتّم طرح السؤال الآتي: هل يفترض الحفاظ على ما تبقى، والحرص على المؤسسات والسيادة التراخي والوقوف مكتوفي الأيدي امام هذا المشهد، ام المبادرة في اتجاه وقف الانحدار، والانخراط في مسار المعالجة؟
فلا الواقع الديموغرافي ولا الوضع الاقتصادي ولا المخاوف الامنية تحتمل التفرّج على واقع النازحين الذين يفترض بهم ان يعودوا الى قراهم ومنازلهم، وأن لا يترعرعوا خارج ارضهم وهويتهم ونسيجهم الاجتماعي، لأنهم سيكونون الخاسر الأول.
لا شك أن القضية باتت من ابرز ملفات "الحل السوري المرتقب" والذي قد يكتب له النجاح بعد اشهر او اعوام، فهل على لبنان الانتظار؟ ومن وما الذي لا يزال يمنع من إقامة مخيمات للنازحين في المناطق الآمنة داخل الأراضي السورية؟ هل هي عدم الرغبة ليبقى الملف ورقة ضغط عند ساعة التسويات؟
الأكيد ان كل ما يحدث على صعيد ملف النزوح يترك اكثر من علامة استفهام. واللافت أن المؤتمرات الإقليمية والدولية، من الكويت الى لندن، وعدت بالكثير ومنحت القليل، وبدل أن تدفع في اتجاه تأمين العودة الآمنة للنازحين، راحت تعالج الداء بالمسكنات، من خلال تنظيم بقائهم في الأماكن التي نزحوا اليها، والاشهر تمضي والازمة تكبر وتتضاعف.
من هنا، فإن واقع الحال يفرض على لبنان الرسمي استمرار الضغط في المحافل الدولية والمؤتمرات والمنظمات لعدم تحويل الوجود السوري الى دائم، تعود معه نظرية "الشرعي والضروري والموقّت" لتستنسخ بشكل جديد، فيدفع لبنان الثمن، ويتكبّد اللبنانيون فاتورة التقصير في المعالجة.
إن المعالجة تحتاج الى تضافر الجهود الرسمية والمدنية. كما أن من واجب المؤسسات الكنسية، من المؤسسة المارونية للانتشار الى الرابطة المارونية وسواها اعتماد التحرك البناء، لاسيما ان المؤتمرات والبيانات لم تجد نفعا في ضوء استمرار الازمة، والضغوط الغربية على لبنان لدمج النازحين في المجتمع اللبناني، مروراً بتقرير الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن "توطين" النازحين في أماكن تواجدهم.
وفي هذا السياق، ومع التنويه بما قامت به وزارة الخارجية والمغتربين على هذا الصعيد، فالمطلوب خلق رأي عام لبناني ضاغط في اتجاه تأمين عودة النازحين. والانتشار اللبناني مدعو للمبادرة الى تكوين قوة ضغط تتحرك بين الحكومات والبرلمانات والمنظمات لتكون قراراتها داعمة لسيادة لبنان واقتصاده وامنه. فكل يوم تأخير في المعالجة والحل يزيد من أعباء الفاتورة على لبنان، الذي قد يصل الى اليوم الذي يرى فيه المجتمع الدولي ينفض يده من أي إمكانية للمساعدة، فيبقى وحيداً يتحمّل حريق كرة النار، فيندم من قصّر او تمنّع وليتها تكون ساعة مندم.
* مستشار لجنة العلاقات الدولية في نقابة المحامين في بيروت