فتحت التفجيرات الإرهابية التي ضربت بلدة القاع البقاعية البلاد أمام جملة من السيناريوهات، بعد أن أثبتت أن لبنان ليس بمنأى عما يجري حوله من أحداث دموية، فهو جزء من مخططات الجماعات الإرهابية التي تجتاح المنطقة، وبالتالي المطلوب أخذ كل الإحتياطات اللازمة، التي تبدأ من الأجهزة الأمنية ولا تنتهي عند دور القوى الفاعلة القادرة على المساعدة في هذا المجال.
على الرغم من خطورة ما حصل في القاع (شرق لبنان)، أثبتت البلدة الجهوزية لمواجهة أي خطر قد يجتاح حدودها، حيث كانت بعض الأحزاب الفاعلة إلى جانب وحدات الجيش اللبناني مع الأهالي، لكن كيف مرّت تلك الليلة الخطرة، وما هو دور القوى الرديفة، وما هي خلفية بعض المواقف التي تطلق لا سيما لناحية الدعوات إلى نشر قوات دولية على طول الحدود السورية اللبنانية؟
في هذا السياق، تكشف مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، أن هذه الدعوات تنطلق من الخصوصيّة التي تتمتع بها القاع، حيث أن البعض يريد أن يضع المسألة في سياق حماية الأقليّات من خطر الجماعات الإرهابية، في حين أنه كان يرفض في السابق الإعتراف بأنها مستهدفة من الأصل، وتشير إلى أن هذا المخطط قديم يعود إلى سنوات إلى الوراء، يُراد منه أن يكون مقدمة لإستهداف حزب الله في لبنان، لكنها تطرح جملة من التساؤلات حول دور مشروع الأبراج الذي وضعته الحكومة البريطانية على طول الخط الحدودي من رأس بعلبك حتى البحر، كما هو مخطط بحسب التسريبات، ولماذا لم يساعد في منع تسلسل الإنتحاريين إلى هذه البلدة البقاعية؟
في هذا الوقت، كانت بعض القوى تأخذ إحتياطاتها منذ بداية الأحداث السوريّة لمواجهة أي تهديد، أبرزها "سرايا المقاومة" و"الحزب السوري القومي الإجتماعي"، بالإضافة إلى الشبّان الذين يريدون الدفاع عن بلدتهم، حيث ظهرت في القاع مجموعات حملت السلاح مباشرة من تلقاء نفسها بعد أن شعرت أن الخطر أصبح بين المنازل، ناهيك عن الصور التي إنتشرت، على مواقع التواصل الإجتماعي، لعضو كتلة "القوات اللبنانية" النائب أنطوان زهرا، يحمل السلاح مع مجموعة من المقاتلين قيل أنهم ينتمون إلى حزب "القوات".
حول هذا الموضوع، يروي مسؤول اللجان الشعبية والحرس في هذه المنطقة رفعت نصرالله، في حديث لـ"النشرة"، تفاصيل تلك الليلة التي واجهتها القاع، ويشير إلى أن أغلب الناس كانت مصدومة لأنها لم تكن تتوقع وصول الإجرام إلى هذا المستوى، لناحية عدد الإنتحاريين والوحوش الكاسرة المهاجمة، ويضيف: "عند ذلك وجد المعني وغير المعني سابقاً أنه لم يعد لديه من خيار إلا حمل السلاح أو المواجهة بصوته على الأقل، خصوصاً أن البعض كان يعتبر نفسه مُحَيّداً، إلا أن الجريمة التي حصلت قطعت الطريق على كل هؤلاء".
ويشدد نصرالله على أن البلدات المسيحيّة لن تقبل أن تكون ممراَ لضرب أهلها في الداخل، لأن الوحشيّة والهمجيّة نفسها وهي من ضمن الأهداف، ويشير إلى أن "الجماعات الإرهابيّة تضع أولويات ولكن نحن هدف ودورنا قادم ولا شيء يقول غير ذلك"، ويوضح أن "كل الناس استنفرت، في حين نحن نتمنى أن تكون هناك دولة قادرة على حماية الجميع، لكن عند إقتراب الخطر لا نحتاج إلى إذن لندافع عن أنفسنا"، ويلفت إلى أن "سرايا المقاومة والحزب السوري القومي الإجتماعي منذ بداية الأحداث أعلنا الإستنفار وكانا يستعدّان لمثل هذا السيناريو، أما بالنسبة إلى باقي القوى فهي لم تعلن شيئاً على الصعيد الرسمي لكن كان هناك أفراد موجودون وبعضهم كان متقدما علينا".
بالنسبة إلى توقعاته لمستقبل الأوضاع، يجزم نصرالله أن "لا أحد يخسر معركة يخوضها ونحن سنقوم بما علينا ومهما كانت الأثمان عالية سندفعها، فلا يمكن أن نترك أرضنا"، ويوضح أن "الإستنفار كان بشكل أساسي في القاع ورأس بعلبك، لكن القرى المجاورة كانت إلى جانبنا وهذا الأمر ليس بالجديد عليهم، فنحن جزء من هذه المنطقة ومعنيّون بأي أزمة تحصل فيها"، ويدعو السلطة السياسية إلى أن تحسم أمرها، "حقنا لا يصلنا من خلال الزيارات إلى موقع الحدث والإستنكار، فقد حان الوقت لحسم الأمور عبر عملية عسكرية شاملة".
من جانبه، ينطلق مدير مديرية القاع في "الحزب السوري القومي الإجتماعي" خليل توم، في حديث لـ"النشرة"، من الواقع الذي توصل إليه الحزب منذ بداية الأحداث السوريّة، لناحية ضرورة التنبّه لما يحصل في الجانب الآخر من الحدود، خصوصاً مع إنتشار الجماعات الإرهابية على نطاق واسع، ويلفت إلى أن الحزب قرّر منذ ذلك الوقت أخذ كل الإحتياطات اللازمة.
وفي حين يشير التوم إلى أن البعض كان يوجّه الإتهامات لهم بالقيام بالأمن الذاتي، يؤكد أن التنسيق كان قائماً مع المؤسسة العسكرية للدفاع عن لبنان من الخطوط الأماميّة في حال حصول أي تهديد، ويكشف عن دور قامت به مجموعات من "نسور الزوبعة" خلال المداهمات التي حصلت بعد موجة التفجيرات الثانية بالتعاون والتنسيق مع الجيش.
ويؤكد التوم أن الحزب لا يزال على موقفه السابق، لناحية الدفاع عن القاع التي تعتبر من الخطوط الأماميّة للدفاع عن كل البلاد، ويلفت إلى أننا "عندما نقاتل في ريف اللاذقية وحلب والسويداء وباقي المناطق السورية نكون أيضاً ندافع عن لبنان"، ويسأل: "عن ماهيّة الواقع في حال حصل ما حصل في ظل تواجد الإرهابيين في منطقة القصير"؟، ويجيب: "كارثي بكل تأكيد"، ويشدد على التنسيق مع الجيش وسرايا المقاومة والتيّار "الوطني الحر"، ويعلن الإستعداد للتعاون مع أيّ جهة تريد الدفاع عن لبنان في مواجهة الهجمة الإرهابية، ويضيف: "يجب أن نكون جميعاً العين الساهرة لحماية بلادنا في المرحلة الراهنة بالتنسيق مع الأجهزة الرسمية".
على صعيد متصل، كان موقف رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، لدى وقوع التفجيرات الأولى بأن القاع ليست مستهدفة، لكنه سارع عند الموجة الثانية إلى التأكيد أن تقديراته لم تكن دقيقة، وأن البلدة والجيش مستهدفان، بالتزامن كان مسؤول الحزب في البقاع الشمالي رئيس البلدية بشير مطر يدعو الأهالي إلى إلتزام منازلهم وإطلاق النار على أي غريب لا يُعَرِّف عن نفسه، في وقت كانت صور النائب أنطوان زهرا، الذي كان متواجداً في القاع، تنتشر على مواقع التواصل الإجتماعي، إلى جانب مجموعة من المسلحين، فهل قررت "القوات" خوض المواجهة؟
يوضح منسق منطقة البقاع الشرقي في "القوات اللبنانية" جورج مطر، عبر "النشرة"، تفاصيل موقف ودور الحزب، ويشير إلى أننا "نحن من أبناء القاع ننتمي إلى القوات اللبنانية"، ويلفت إلى أن "النائب زهرا كان موفداً من رئيس الحزب للتعزية بالشهداء، كما باقي الوفود، والقاع فيها حجم قواتي معروف، أكدت عليه نتائج الإنتخابات البلدية الأخيرة".
ويضيف: "النائب زهرا رفيق بالعلاقة الشخصية مع العديد من أبناء القاع وهؤلاء من أصدقائه، وهو إستقبل من قبل أصدقاء له من أحزاب أخرى أيضاً، وكان متواجداً في البلدة طوال النهار لأنه كان سيشارك في مراسم الدفن والتشييع الذي كان مقرراً، لكن عندما وقعت التفجيرات المسائية بدأت تأتينا الإتصالات، وعندها حمل جميع الناس سلاحهم للوقوف إلى جانب الجيش، وبعد أن هدأت الأوضاع إنتقلنا إلى أحد المنازل حيث التقطت الصورة التي إنتشرت".
بناء على ذلك، يؤكد مطر أن ليس هناك من قرار مركزي صادر عن "القوات اللبنانية" بالتسلّح، ويلفت إلى أن موقف الحزب واضح في هذا المجال، ويعتبر أن هناك فرقاً كبيراً بين هذا الموقف وموقف باقي القوى، حيث أن القوميين وسرايا المقاومة و"حزب الله" هم بأغلبهم من خارج البلدة، أما "نحن فقد وردت إتصالات من رفاقنا من كل لبنان، حيث أعلنوا عن إستعدادهم للحضور إلى القاع، وكنا نؤكد أن لا داعي لمجيء أحد ونحن قادرون على حماية أنفسنا والجيش موجود".
أما بالنسبة إلى التنسيق مع باقي القوى في حال تطور الأوضاع، لا سيما مع وجود خصوم لـ"القوات"، يشدد مطر على أن "ليس هناك من خصم بالدفاع عن بلدتنا وهذا خطر يتهدّد كل لبنان، ولكن طالما الجيش موجود لا يمكن أن نطالب بالدولة وحدها وندعو إلى التسلّح"، ويضيف: "بحال كانت هناك جبهة عسكرية بالمفهوم المتعارف عليه فالجيش قادر على المواجهة، وفي حال تطور الوضع نحن جاهزون إلى جانبه وتحت إشرافه ولا نبخل في بذل التضحيات".
في المحصلة، هكذا كانت الأوضاع في القاع ودور القوى الفاعلة فيها خلال ليل التفجيرات الدمويّة، حيث أظهر الأهالي الإستعداد لمواجهة أي خطر في حال تعرضهم لأي هجوم مهما كان الثمن.