من يدخل الى "حرش العيد" في منطقة قصقص ببيروت، يتأكد أن حياة الطفولة التي تعودنا عليها قبل زمن التطور، لا تزال موجودة، وأن حياة الاطفال في هذا الحرش ليست تائهة بين الهواتف النقالة والألعاب الالكترونية.
في حرش بيروت تقيم "رابطة أبناء بيروت" منذ العام 1996 وحتى يومنا هذا "مهرجان الفرح" أو ما يعرف بـ"حرش العيد". على مدخله اجراءات أمنية مشددة، خوفا من أي عمل ارهابي، وفي داخله أطفال لا يأبهون بما يحدث خارجا ويصرون على عيش الطفولة التي يستحقونها. أما بالنسبة لأبناء بيروت فهو المنفذ الوحيد لتمضية العطل والأعياد، والقرية بالنسبة لهم هي "بيروت".
يؤكد المنسق الاعلامي لمهرجان "حرش العيد التراثي" محمد العاصي في حديث لـ"النشرة" أن "حرش بيروت" لا يزال على ما هو عليه رغم تضرره خلال فترة الحرب، "الا أننا نعمل لاضفاء الفرحة على وجوه الأطفال من خلال الألعاب التي نسعى لتطويرها مع الزمن حتى يتحول "الحرش" الى مدينة ملاه مصغرة"، ويعتبر أن "الاطفال لا يشعرون بنكهة العيد التي كنا نشعر بها ايام الطفولة اذا لم يأتوا الى الحرش". ويوضح العاصي أن "رابطة أبناء بيروت" تقيم "مهرجان الفرح" بعد الحصول على اذن من بلدية بيروت، حيث تقام الافطارات على مدار شهر رمضان، كما أن هناك متسعا للأهالي مع ابنائهم للاستمتاع.
في جولة لـ"النشرة" داخل الحرش أكدت أحدى السيدات أن "حرش العيد" هو مكان لاجتماع العائلات، ويمكن للأطفال اللعب بينما نحن نشرب "نرجيلة التنبك" ولا غنى لنا عنه، فيما تمنت سيدة أخرى أن تتم المحافظة عليه لأنه بالنسبة لهم "موروث بيروت الثقافي والتاريخي". أما الأطفال فأكدوا أن السبب الأول لمجيئهم هو الألعاب، "فهنا نلعب ببلاش، وبكل الألعاب وبصير عنا أصحاب جداد".
خوف يتهدد الفرح
ضجّت بيروت منذ أيام بخبر بناء مستشفى عسكري مصري في حرش بيروت، فالمشروع إن تحقق سيؤدي لخسارة "المنفذ الأخضر" الوحيد المتبقي لأهل المدينة، وسيحرم الاطفال من "جنّتهم" خلال الأعياد. وفي هذا السياق يلفت رئيس جمعية "نحن" محمد أيوب في حديث لـ"النشرة"، الى أن المستشفى المصري الميداني الذي كان تقرر بناؤه قبل ايقاف العمل به، قريب جدا من "حرش العيد"، كاشفا أن المساحة المتبقية ستتحول الى موقف للسيارات التي تزور المستشفى، وبالتالي لن يبقى للحرش أثر بحال تقرر استكمال بناء المستشفى. من جهته، يؤكد مدير حرش بيروت محمد حبلي لـ"النشرة" أن المساحة تقلصت لأن المعنيين أخذوا منها 2500 متر لبناء المستشفى، معربا عن تخوفه ألاّ يبقى هناك حرش في السنة المقبلة أو التي تليها. ويضيف: "رغم حاجة أبناء المدينة الفقراء الى المستشفى، الا أنني ضد انشاء أي بناء في هذا الموقع"، متمنيا نقله الى موقع آخر، عبر اعادة تأهيل مستشفى البربير أو مستشفى الشرق الأوسط.
في لبنان، يُحرم الفقير من حقوق الحياة، فالسكن للغني، والطبابة لذوي المال والتعليم لدافعه، واليوم قد يُحرم أطفال المدينة من "فرحهم" في حرش بيروت، بظل غياب اي اهتمام رسمي بالفقير وحاجاته وسعادته. فعلا كما قال الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه: "لم يترك الاغنياء للفقراء شيئا سوى الله".