بحسب آخر الإحصاءات الرسميّة فإنّ عدد الناخبين المُسجّلين في لوائح الشطب في لبنان تجاوز الثلاثة ملايين ونصف المليون ناخب. وفي إنتخابات العام 2009 النيابيّة، جرى تقسيم لبنان إلى 26 دائرة إنتخابيّة، بينما الأغلبيّة الساحقة من القوانين الإنتخابيّة المُقترحة حاليًا، تطمح لتقليل عدد هذه الدوائر، وبالتالي لتوسيع الحجم الجغرافي للدوائر الإنتخابيّة. في المُقابل، تُوجد جهات سياسيّة تدعو إلى إعتماد قانون "رجل واحد. صوت واحد" (One man. One Vote) بحجّة أنّه يؤمّن العدالة التمثيليّة، فهل هذا صحيح، وهل يُمكن تطبيق هكذا قانون في لبنان؟
من الناحية النظريّة، يؤمّن قانون "رجل واحد. صوت واحد" تواصلاً أكبر بين الناخب والمُرشّح، وعدم ضياع الناخبين، خاصة أولئك غير المُثقفين سياسيًا، بين أسماء العديد من المُرشّحين على لوائح كبيرة وموسّعة، وإمكان المُحاسبة المُباشرة في حال فشل النائب الفائز في تنفيذ التعهدّات التي قطعها للناخبين عشيّة الإنتخابات. ومن بين الحسنات أنّ الناخب يشعر بأهمّية صوته، حيث أنّ تصويته يضيف صوتًا لصالح هذا المُرشّح أو ذاك، في معارك يُفترض أن تكون حامية وتحمل قيمة مهمّة لكل صوت. كما أنّ القانون المذكور يجعل أصوات الناخبين مُتوازية في كل الدوائر، بحيث لا يفوز نائب بعشرات آلاف الأصوات في دائرة وببضعة آلاف صوت في أخرى. وليس سرًّا أنّ هذا القانون مُطبّق في العديد من الأماكن في العالم، وفي دول مشهورة بتطوّرها من الناحية الديمقراطيّة.
لكنّ تطبيق قانون "رجل واحد. صوت واحد" في لبنان، دونه عقبات وثغرات كثيرة، لم ينتبه إليها داعمو هذا القانون، أو ربما أسقطوها عمدًا لمصالح خاصة. وفي هذا السياق، من الضروري الإشارة إلى أنّه يُوجد في لبنان حاليًا 128 نائبًا، وبالتالي في حال تطبيق قانون "رجل واحد. صوت واحد"، من الضروري تقسيم لبنان إلى 128 دائرة إنتخابيّة للحصول على نفس عدد النوّاب الحاليّين. وبما أنّ عدد الناخبين في لبنان يبلغ حاليًا نحو 3,5 مليون ناخب، وفي حال تقسيم هذا العدد على 128 دائرة إنتخابيّة بشكل عادل، كما يفترض هذا القانون، نحصل على 128 دائرة تضم كل منها 27,343 ناخبًا. وفي حال حسم أصوات المُهاجرين والأشخاص الذين لا يُشاركون في الإنتخابات عادة، يُصبح عدد الناخبين الفعلي نحو 16 ألف ناخب في حال كانت نسبة المُشاركة في التصويت بحدود 60 % مثلاً. وهذا يعني أنّ على أيّ مُرشّح تأمين نحو 8,000 صوت لصالحه للفوز في إحدى الدوائر الإنتخابيّة. وسيئات هذا الأمر متعدّدة، وأبرزها:
أوّلاً: من غير المنطقي أنّ يفوز النائب بعضويّة البرلمان بأصوات توازي أو حتى تقل عن أصوات الفائز بعضوية أو رئاسة البلديّة.
ثانيًا: من غير المنطقي أن تُصبح النيابة مفتوحة للأثرياء فقط الذين يستطيعون شراء بعض الأصوات هنا، وتسهيل معاملات ومواكبة متطلّبات بعض الناخبين هناك، وتوظيف بعض الناخبين في شركات خاصة هنالك.
ثالثًا: من غير المنطقي أن تُصبح الدائرة الإنتخابيّة محصورة بمساحة جغرافية بهذا الضيق، لأنّه عندها سيتقدّم عامل القُربة والنسب والروابط العائليّة على سواه، إضافة إلى عامل العلاقات الشخصيّة التي يسهل نسجها ضمن دائرة صغيرة، بدلاً من اللجوء إلى برامج سياسيّة وإنمائيّة تُفرّق هذا المُرشّح عن منافسه.
رابعًا: من غير المنطقي تقليص عدد النوّاب لتوسيع جغرافية الدوائر الإنتخابيّة، لأنّه مع وجود 128 نائبًا والصرخة قائمة بالنسبة إلى ظلم بعض المذاهب والأقليّات، فكيف سيكون الأمر عليه في حال تقليص عدد المجلس النيابي إلى النصف مثلاً، وبماذا سيختلف المجلس النيابي المُصغّر عندها عن حكومة موسّعة من ثلاثين وزيرًا مثلاً؟
خامسًا: من غير المنطقي مُعارضة قانون "اللقاء الأرثوذكسي" الذي يسمح لكل طائفة بإنتخاب نوّابها، وتبنّي قانون "رجل واحد. صوت واحد"، الذي ستنحصر المنافسة في أغلبيّة دوائره بين أبناء المذهب الواحد، مع وُجود ثغرات غير عادلة في أماكن ودوائر أخرى، ما يُعيدنا إلى نقطة الصفر لجهة عدم العدالة في توزيع الدوائر الإنتخابيّة.
في الخلاصة، قانون "رجل واحد. صوت واحد" ممتاز نظريًا، لكن عند البحث في تطبيقه عمليًا في لبنان، سيُواجه عراقيل بالجملة تجعله أسوأ من كثير من القوانين المُقترحة حاليًا، خاصة لكونه غير عادل ويصبّ لمصلحة الأثرياء المناطقيّين.