قبل إنطلاق شهر رمضان، دعا تنظيم "داعش" الإرهابي، على لسان المتحدث باسمه أبو محمد العدناني، إلى أن يكون "شهر الغزو والفتوحات"، طالباً من أنصاره الإستعداد لتنفيذ هجمات في أميركا وأوروبا، في مؤشر إلى رغبته بالتأكيد على الصمود والتحدّي في ظل الحملات التي تشن ضده لحصار معاقله في سوريا والعراق.
في هذه الرسالة، كانت رغبة "داعش" واضحة بالعودة إلى الوراء بعض الشيء، أي العمل بالإتجاه المعاكس لناحية الإنتقال من مرحلة "التمكين" إلى "النكاية"، حيث الأولى، بحسب أدبيات التنظيم تقوم على الثبات في الأرض التي يسيطر عليها، في حين أن الثانية تركز على تنفيذ هجمات متفرقة هدفها تشتيت قوة العدو، مع العلم أن التسلسل النظري يقوم على التدرج من "النكاية" إلى "التمكين"، لكن مع إقتراب هذا الشهر من نهايته ماذا حقق "داعش" من أهدافه؟
تسجيل العدناني الصوتي، نُشر في الحادي والعشرين من شهر أيار الماضي، أي بعد نجاح التنظيم في تنفيذ عمليات أمنية لافتة في كل من العاصمة الفرنسية باريس، والعاصمة البلجيكية بروكسل، ومدينة سان برناردينو في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى التفجيرات التي حصلت على الساحل السوري، أما أبرز الهجمات التي وقعت في شهر رمضان، فهي تشمل: مدينة أورلاندو في فلوريدا، بلدة القاع في البقاع الشمالي، العاصمة البنغالية دكا، حي الكرادة في العاصمة العراقية بغداد، إغتيال القس القبطي المصري برصاص أطلقه عليه مجهولون في مدينة العريش في شمال سيناء، مطار أتاتورك في تركيا، قتل شرطي وزوجته في العاصمة الفرنسية باريس، الحدود الأردنية السوريّة، مدينة المكلا في اليمن، منطقة السيدة زينب في ريف دمشق، مدينة سرت الليبية، تفجيرات انتحارية في القطيف والمدينة المنورة في السعودية.
العمليات المذكورة في الأعلى هي الأبرز، مع العلم أن تلك التي تقع في كل من سوريا والعراق وليبيا تسجل بشكل شبه يومي، لكن في المقابل الجهود التي تقوم بها الأجهزة الأمنية في معظم الدول نجحت في منع وقوع أخرى، أبرزها أيضاً الإعلان في الكويت ايران المغرب تونس والجزائر عن تفكيك أكثر من خلية إرهابية، بالإضافة إلى البيان الصادر عن قيادة الجيش اللبناني عن إحباط عمليات خطيرة كان من المقرر أن تستهدف مرفقاً سياحياً ومنطقة مكتظة بالسكان، في حين قد يكون هناك هجمات أخرى لم تصل إلى مرحلة التنفيذ، بسبب الإجراءات الأمنية المتخذة في أغلب بلدان العالم.
ما تقدم يقود إلى خلاصة مهمة، تفيد بأن التنظيم الإرهابي لا يزال يملك القدرة على تنفيذ عمليات أمنية بالغة الدقة، بالرغم من الهجمات التي تشن ضده، حيث أن ما قام به، خلال شهر رمضان، جاء بالتزامن مع حملات تستهدف معاقله في العراق، حيث جاء الإعلان عن تحرير مدينة الفلوجة من قبل الحكومة في عملية مدعومة من الولايات المتحدة، بالإضافة إلى إطلاق حملتين عسكريتين ضد مدن منبج (مدعومة من واشنطن) والرقة (مدعومة من موسكو) والبوكمال (مدعومة من واشنطن) في سوريا، وأخرى في الأراضي الليبية مدعومة من التحالف الدولي، الأمر الذي يطرح حوله العديد من علامات الإستفهام التي ينبغي التوقف عندها، لا سيما بعد الإعلان عن فشل أغلب الحملات العسكرية المذكورة، بسبب عدم التنسيق بين القوى المهاجمة، في ظل الخلافات التي لا تزال قائمة بين مختلف الأفرقاء الإقليميين والدوليين.
في رسالة "داعش" المذكورة في الأعلى، كان المتحدث باسمه يتوقع بطريقة غير مباشرة خسارة بعض المدن والبلدات، بسبب الهجمات التي تشن ضده، حيث أكد أن هذا الأمر في حال حصوله لا يعني إنتهاء المعركة، مذكراً بالحملة التي شنت ضده في العراق بالعام 2009، حيث عاد إلى الظهور بشكل أقوى على ضوء الأحداث السورية في العام 2011، لكن حتى هذا السيناريو لم يحصل في الوقت الراهن، وبالتالي لا يمكن الحديث عن إنحسار التنظيم أو إقتراب موعد القضاء عليه بأي شكل من الأشكال، إلا إذا كان هذا الكلام يأتي في إطار الصراعات السياسية التي يسعى البعض إلى النجاح فيها، عبر إستغلال ورقة الحرب على الإرهاب.
في المحصلة، قد يعمد التنظيم الإرهابي إلى التغيير من أسلوب عمله على ضوء الظروف التي تفرضها الوقائع الميدانية، لكن الأكيد أنه لا يزال قادراً على التحرك، وبالتالي قد ينجح بإرتكاب جرائم جديدة، بغض النظر عن الزمان والمكان، الأمر الذي يدفع إلى طرح الأسئلة عن جدوى إستراتيجية مواجهته على مستوى العالم، في ظل حالة الإنقسام بين القوى الفاعلة، بالإضافة إلى إقتصارها على الجانبين العسكري والأمني.