أتت التفجيرات الإرهابية في جدة والمدينة المنورة والقطيف تستكمل رسائل "داعش" بعد تفجيرات مطار اتاتورك في اسطنبول التركية وهجمات الرقبان ​الاردن​ية. تنظيم "داعش" أعلن الحرب على "الثلاثي السني" بعد أن كانت معاركه تستهدف الشيعة بشكل أساسي، أو من يتحالف معهم سواء في العراق أو سوريا.

انها مرحلة جديدة يدشنها "داعش" لخوض معارك موجعة ضد "الثلاثي". هو اختار استهداف الجيش الاردني وقوات حرس الحدود في المملكة الهاشمية في منطقة الرقبان تحديداً على الحدود السورية-الاردنية للتأكيد على قدرته في ضرب أمن المملكة من خلال استباحة حدودها وجعلها مشرّعة لولوج عناصر التنظيمات المتشددة. واختار استهداف مطار اتاتورك في اسطنبول لضرب عنصري السياحة والاقتصاد اللذين يشكلان ركيزتي القوة التركية الآن. اما اختيار "داعش" لتفجيرات في المدينة المنوّرة تحديداً قرب الحرم النبوي، فيهدف الى ضرب رمزيّة اسلامية تتفرد بها المملكة وهي تستعد الان لموسم حج المسلمين، فيما التركيز على جدّة أيضاً أراد من خلاله "الدواعش" القول انهم قادرون بالوقت نفسه على ضرب العاصمة الثانية للسعودية، ويستطيعون إدارة عمليات الهجوم لتطال أيضاً اكثر من منطقة كما حصل مع​ القطيف​.

ليست بالطبع هي الاعمال الإرهابية الاولى التي تطال السعودية. سبقتها عمليات عدة في العقود والسنوات الماضية. لكن "داعش" اليوم يختلف عن "القاعدة" بالأمس أو تنظيمات متشددة أو متمردة خاضت حربها على السعودية بطرق مختلفة. بات يمتلك القدرة على تحريك خلاياه دفعة واحدة من العراق الى سوريا ولبنان والأردن والسعودية وليبيا ومصر وتركيا وغيرها.

لكن ما الذي تغيّر عند "داعش"؟ هل أعلن خوض الحرب المفتوحة على كل الجبهات؟ وما هو سبب توسيع العمليات؟ هل تأتي في إطار التخبط نتيجة التراجعات الميدانية؟ أم بغاية فرض نفسه تنظيماً يملك القدرات العابرة للحدود والحسابات؟

قد يكون التنظيمُ تعاون موضعياً مع دولة هنا واستخبارات هناك. قد تكون الحروب والمصالح فرضت على دول دعم "داعش" موضعياً أيضاً. غضّ الأردن الطرف عن تحركات "داعشية" على الحدود السورية، وساهمت تركيا في توسّع التنظيم على حدودها مع سوريا بغاية استنزاف خصومها وأعدائها السوريين والكرد والروس والإيرانيين. وحققت السعودية غايات "داعشية" يوم استنفرت كل طاقاتها وجهودها وشبابها لإسقاط "النظام" السوري.

الثلاثي المذكور ساهم كل على طريقته ووفق حساباته بتمدد "داعش" من دون أن يحسب حساباً ليوم آت سيشكّل فيه التنظيم أكبر خطر على وحدة وأمن السعودية والأردن وتركيا. تثبت التطورات بأن لا قيمة لكل الاتهامات التي ساقها المتحاربون والمتنازعون الاقليميون حول صناعة "داعش". لا ​ايران​ ولا سوريا استولدت الوحش، ولا السعودية ولا تركيا أوجدت التنّين. ولا التنظيم هو من صناعة الأميركيين والغربيين. ما يجري من توحش "تنظيم الدولة" يدلّ على أنهم جميعهم إستفادوا من "داعش" موضعياً وتفرجوا على تمدده حيث يخدم مصالحهم ويُضعف خصومهم، وحين انتهت تلك الاستفادة وصل الكلّ الى الختام.

جاءت رسالة "الدواعش" للأردنيين رداً على دور المملكة الهاشمية في دعم تأسيس جيش عشائري يخوض معارك ضد "داعش" في دير الزور السورية بدعم أميركي. تبين للتنظيم ان الأردن يدرب عناصر سوريّة بإشراف اميركي للسيطرة على منابع النفط التي يعتمد عليها "داعش" في شرق سوريا. كما ان إجراءات حدودية أردنية تمّت، ووُضعت مراكز اتصالات اميركية على اراضي المملكة للتجسس على التنظيم في سوريا. ما يعني ان المملكة الهاشمية تشترك عمليا في الحرب ضد "داعش".

رسالة التنظيم للأتراك تأتي نتيجة تغييرات في السياسة التركية، بعد ان كانت انقره غضت الطرف عن تحركات "داعش" قرب حدودها في السنوات الماضية، وسمحت لعصاباتٍ معروفة بالإتجار بالنفط السوري الخام المهرّب في عمليات إستفاد منها "الدواعش" والاتراك معاً. حاولت انقره ان تتصرف مع التنظيم على قاعدة "كل شي بحسابو". كان كل شيء على ما يرام طيلة سنوات مضت. لكن تركيا فتحت قاعدة "انجرليك" للأميركيين فساهم الأمر عملياً بضرب التنظيم في الشمال السوري واستهداف قواته في منبج. ووصلت المسألة بالأتراك الى حد فتح صفحة جديدة مع روسيا تقوم على اساس ضرب الارهاب في سوريا. ما يعني ان الأدوار والخدمات المتبادلة انتهت.

رسائل "داعش" للسعوديين هي الأخطر. التنظيم أراد إرباك المملكة في داخلها وضرب استقرارها وإعطاء أوامر عمليات واسعة من جدة الى​ المدينة المنورة​ الى القطيف.

كانت تقتصر رسائل التنظيم على خطاباته التحذيرية والإيحاء بقدرته على احتلال أراضٍ سعودية وخصوصاً مكّة المكرّمة. لكنه انطلق نحو تنفيذ جزئي لتهديداته، لاعتقاده ان المملكة تتفرج على ما يجري في العراق من دون تدخّل كان ينتظره التنظيم ضمن نظرية "التخادم". اعتقد الدواعش انه قادرون على صد الهجوم في الفلوجة باستنفار السنّة ضدّ الشيعة، لكنه وجد أنّ الرياض أجهضت مخططه بتغطيتها للمعركة. ما يعني فقدانه لعنصر التحشيد في معارك مقبلة عراقياً وسورياً.

هنا يجري التحول ويفرض التحالفات الواسعة لتحقيق هزيمة "داعش".

لا قدرة على ضرب التنظيم من دون حلف او تعاون او تنسيق يمتد من ايران الى السعودية وبمؤازرة الأميركيين والروس.

أتت العمليات الإرهابية في السعودية بعد تركيا والأردن تستنهض الدول الإقليمية، بعدما سبق الأميركيون والروس والأتراك غيرهم وتحديداً السعوديين والإيرانيين.

ركيزة الاتفاق سوريا واليمن، وإلاّ سيغرق الطرفان في حرب استنزاف طويلة يستفيد منها "الدواعش" بالتمدد وضرب الإثنين معاً مباشرة او بالواسطة.