لن يقلق طوني بلير لكونه سيسجن قريباً. وهو أصلاً لم يكن يخشى المساءلة أو المحاسبة أو العقاب عندما كان شريكاً في مؤامرة تدمير العراق. وهو في هذه الحالة ليس سوى العنوان، لكتاب يجعل غالبية المسؤولين الذين تعاقبوا على حكم بريطانيا، من العائلة المالكة الى الحكومات والجيوش والمصارف والإعلام والأجهزة الأمنية، كل هؤلاء، شركاء، ليس فقط في جريمة العراق، بل في مئات الجرائم المرتكبة من قبل هذه الامبراطورية على مدار التاريخ.
هكذا هي الحال في الغرب. هذه هي المحاسبة والديمقراطية اللتان يتغنون بهما. هذا هو القانون الذي يريدون من كل البشر التطلع إليه. هي قاعدة، أن الرجل الابيض يملك الحق الحصري في أن يقرر خطوة ما، سواء كانت شراء سيارة أو تدمير بلاد أو نهب شعوب. وعلى الجميع الترويج لأفكاره، ومساعدته في جريمته، وفي كل مرة يريدون لنا، نحن الضحايا، أن نشكرهم، لأنهم استفاقوا، وقرروا الاعلان عن ارتكاب «أحدهم» خطأً ما في تاريخ ما. ولكن، تظل الأمور على ما هي عليه. سيبقى بلير نجماً يتقاضى مقابلاً لظهوره في هذا البلاط أو هذه الجامعة، كما تحول جورج بوش إلى فنان، يغرف من إنسانيته وهو يرسم اللوحات، بينما يستمر الكذاب كولن باول في جمعه السيارات القديمة، وهو يحاضر في مراكز الابحاث عن المستقبل، والأنكى، أن يكون له مدرسته... أما ماذا تعلم، فلا داعي للسؤال؟
طيب، ماذا يريدون من الضحايا أن يردّوا؟
في العراق نفسه، كان عملاء بلير، من الشخصيات العراقية الموجودة اليوم في الحكم، لا يختلفون عنه بشيء. مجموعة من المجرمين الذين برروا تدمير بلادهم بحجة التخلص من طاغية. وخلال 13 عاماً الى اليوم، وبمعزل – نعم بمعزل ــ عن كل التآمر الاميركي والخليجي والاسرائيلي والاوروبي على العراق، فإن هؤلاء، لم يظهروا لشعبهم، ولا لشعوب المنطقة من حولهم، أيّ إشارة على أهليتهم الوطنية والوظيفية لتولّي المسؤولية. وهم الذين يواصلون الجريمة من دون أن يرف لهم جفن. بل يفاخرون بأن آخر حكومات حيدر العبادي كانت تضم في غالبيتها وزراء يحملون الجنسيات الأجنبية، خصوصاً البريطانية، حتى وصفت عن حق بأنها «حكومة صاحبة الجلالة».
هل نتوقف عن الدهشة بديموقراطية الغرب الزائفة التي تسمح بالجريمة، لكنها تمنع العقاب؟
لنترك بلير وأهله، والغرب الذي لن يفهم بغير لغة القوة. وها هي كل التجارب في التاريخ تقول إن المستعمر لا يفهم سوى لغة القهر التي يمارسها هو. وكل جهد يتم رسمه في أطر النقاش والحوار، وغير ذلك من ألاعيب صنف آخر من العملاء الذين يقبضون من منظمات غير حكومية، لن تفيد في تغيير شيء في الواقع... فهل نسي العرب، وأحرار العالم، أن بريطانيا نفسها هي التي سهلت اغتصاب فلسطين وإقامة الكيان المعادي على أرضها؟
نقاشنا الفعلي يجب أن يتركز مع أنفسنا، نحن ضحايا هذا الغرب المجنون الذي يستمر أصلاً في حرق فلسطين وتدمير العراق، وانتقل اليوم ليكمل مشواره في سوريا واليمن وليبيا… وها هم يهددون الجزائر وتونس ومصر أيضاً. وسوف يفعلون كل ما في وسعهم، حتى يستمر حكمهم واستعمارهم، المباشر أو غير المباشر.
السؤال الحقيقي هو عندنا نحن، وكيف علينا التصرف مع بلير: بلير ، وبلير ، وبلير … إلى آخر المطاف؟ وكيف لنا أن نستفيق للحظة، ونقرر حاجاتنا؟ وأن نراقب كيف يواجه هذا الاستعمار؟ ومن لا تعجبه إيران، ثقافة أو نظاماً أو سياسة، فليراقب كيف واجهت وتواجه هذا الغرب، وكيف تفرض على الرجل الأبيض أن يتعامل معها بغير ما يتعامل به مع سائر شعوب الأرض. حتى الذين ينظرون إلى إيران كعدو، ما عليهم سوى الاستفادة من أدوات تفكير وعمل هذا العدو، لأجل ابتداع الآلية التي يواجهون فيها هذا الغرب المتعطش للدماء، سواء من دماء أبنائه الذين يرسلهم إلى الموت في أرضنا، أو مئات الألوف منا نحن.
هل يقدر أحد بيننا على الخروج، ورفع شعار مقاطعة هذا الاستعمار الغربي؟ هل يقدر أحد منا على أن يتحمّل المسؤولية، ويقول إنه لا يريد التعامل مع هذه الدول إلى أن يقضي الله أمراً؟
هذا هو التحدي!