يُرادُ للمقاومة الشريفة أن تكون شيعية، فارسية وصفوية وغيرها من الصفات المدروسة بعناية التي تُسلّط الضوء على المذهبية والطائفية محلياً وإقليمياً بهدف حصر المقاومة في بيئة ضيقة و تأجيج التعبئة الفتنوية. إنّه مخطط يتتابع منذ احتلال العراق واغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري في العام 2005 واغتيال قيادات من قوى 14 آذار.

عشرة أعوام مرّت على ذكرى حرب تموز 2006 التي مزجت في تراب أرض لبنان عزة دماء الشهداء الأبرار بخيبة انتكاسات العدوان الإسرائيلي الغاشم؛ فرفرف علم لبنان على قمم ووديان لبنان الجنوبي بالتوازي مع علم "حزب الله" وعلم "حركة أمل" وغيرها من أعلام الفرقاء الذين شاركوا في قتال العدو الإسرائيلي بعد أن اندحر العدو، وأعلنت المقاومة انتصارها؛ فتبين للعالم أجمع أن اسرائيل تلك تماماً كما وصفها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله "أوهن من بيت العنكبوت".

ولكنّ هذا العنكبوت السّام أبى الرضوخ للهزيمة، فراح من زاويته في الشرق يتابع تخطيطه مع حلفائه الغربيين وبعض العرب على حربٍ من نوع آخر بهدف القضاء على "حزب الله" كما على محور الممانعة برمته الذي يشكل خطراً وجودياً واقتصادياً بات هاجساً اسرائيلياً. انكسرت قوّة العراق وكرّت سبحة المؤامرات، تصدّرت الحرب في سوريا أولوية الإهتمام السياسي والإعلامي الدولي بعناوين انصبّت كلها تحت مظلة "الإطاحة بنظام الأسد" ومعه زج "حزب الله" في حرب دموية عسكرية في سوريا لاستنزافه كما ساد الإعتقاد.

بالتوازي مع ذلك، ضغوطات عربية ودولية وقرارات بوضعه على لوائح "الإرهاب"، أما الإرهاب الفعلي الذي مارسته اسرائيل يبقى دون محاسبة أو حتى مطالبة فعلية بالمحاسبة. أمّا التهاون العربي مع إسرائيل فلا يرى خطورته على المستويين الإقتصادي و الأمني إلا قلة من الدول الخليجية التي رفضت التصويت ضد حزب الله في مجلس التعاون الخليجي والعديد من الأخوة الخليجيين الذين يرفضون التخلف والرجعية والكراهية والفكر التكفيري والخطابات التحريضية والإرهاب المتفشي باسم "داعش" وأخواتها ومثيلاتها و يحيون كل مقاوم لها.

إنّ الدولة العاجزة عن وضع استراتيجيات دفاعية موحدة للهجوم التكفيري الفكري قبل الأمني لا يمكن التعويل عليها وحدها في حقبة دقيقة كتلك التي نمر بها.

إنّ السبيل الوحيد لمواجهة مخطط الفتنة أولا هو سحب هذا الفتيل من الشارع اللبناني والإقليمي عبر احتضان فكر المقاومة بإطارها الحقيقي. وهذه أكبر ضربة للإرهاب المتربص ببلادنا صدّا لـ"الفوضى الخلاقة" المتوغلة في جذور الفكر التكفيري كهدف للكراهية والفتنة ومرحلة يعتبرونها واجبة قبل كل تمدد عسكري إرهابي.

إنّ المقاومة قدر هذه الأمة؛ أو لم يكن يسوع المسيح مقاوماً للإضطهاد، وهو قال: "لا يدرون ماذا يفعلون"؟ وبعده ألم يكن النبي محمد (ص) مقاوماً للعدوان؟ وألم يكن الإمام الحسين (ع) مقاوماً للفساد و الظلم، وهو قال: "هيهات منا الذلة"؟

إنّ هذه العقيدة متجذرة في عقول ونفوس فئة كبيرة من اللبنانيين المقيمين والمغتربين، الشيعة والسنة والمسيحيين والدروز وغيرهم؛ فئة تعترف بالحق بالمقاومة الذي كرسه القانون الدولي. فشرعيتها الدولية والقناعة بها لم تأت من منظار طائفي أو مذهبي بل من مشروعيتها والرؤية الواضحة لمشروعها الذي يبتعد عن كل صور التشدُّد و المذهبية التي تُتّهم بها، وهو الحفاظ على الدولة اللبنانية وعلى لبنان العربي المستقل ووحدته والتعايش المشترك فيه وحماية ثرواته التي كانت تكاد حرب تموز 2006 وقبلها الاحتلال والعدوان المتكرر أن يقضوا عليها.

في 12 تموز 2006، بدأ العدوان الإسرائيلي و استمرت الحرب 34 يومًا، ضربت مناطق لبنانية عدة ومرافق حيوية عدة وكانت أكثرها ضررا الجنوب وبيروت والضاحية الجنوبية، تعددت أهداف اسرائيل وقتها؛ من استرجاع الأسيرين المخطوفين إلى سحق حزب الله كما ضرب البنى التحتية لمنع إمداد حزب الله بالصواريخ وغيرها؛ أهداف عدة لم يتحقق واحد منها رغم انقسام الموقف الدولي حيال ما تقوم به.

أما الموقف المناصر للمقاومة فلا ينظر إليها إلا أنها و مع الجيش اللبناني الأبي، حمتنا وتحمينا من مجموعة من الأعداء. نعم، مجموعة من الأعداء؛ فبالأمس كان العدو واحدًا: اسرائيل، و اليوم اصبح العدو عدوين: اسرائيل و التكفير، واليوم ايضاً مع الغد: اسرائيل والتكفير والتقسيم والطائفية.

ما أعيشه أنا اليوم المسيحية من احتضان لي من البيئة الشيعية والسنية المقاومة في الجنوب الصامد والبقاع العازم لهو خير دليل على أن المذهبية والبيئة الضيقة للمقاومة التي يحاولون حصر المقاومة فيها ليست إلا في خيالات ومخططات التخريبيين.

ليعذرني القارئ على الخطاب المتجه نحو الطوائف والمذاهب هنا في هذه المقالة؛ اضطررت للرد باللغة التي يوجهونها عسى وعلهم يفقهون أنه أن تكون مقاوماً أبعد من أن تكون فقط شيعياً؛ أو ليست المقاومة من يحمينا من براثن الطائفية؟! سؤال برسم ضمير كل حرّ مؤمن بالله.