صدر قرار «المجتمع الدولي» بتأسيس محكمة دولية خاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وآخرين (قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1664) قبل ثلاثة أشهر من شنّ إسرائيل و»المجتمع الدولي» نفسه عدواناً على لبنان أدى إلى استشهاد وجرح وإعاقة آلاف اللبنانيين وتدمير مستشفيات ومنشآت مدنية وبنى تحتية في كافة المحافظات.

وتزامن التسريب الأول للتحضير لاتهام قيادات المقاومة باغتيال الحريري أياماً قليلة بعد فشل عدوان تمّوز 2006، وذلك في مجلة «لوفيغارو» الفرنسية. وتبعت ذلك حملات إعلامية وبرامج بلغت كلفتها مليار دولار (بحسب إفادة السفير الأميركي السابق جيفري فيلتمان أمام اللجنة الفرعية للشرق الأدنى في مجلس الشيوخ الأميركي يوم 8 حزيران 2010) سعياً إلى «تحقير» حزب الله و»تعطيل جاذبيته للشباب اللبناني».

بعد مرور عام على إفادة فيلتمان، صدر قرار الاتهام عن المحكمة الدولية، مستهدفاً أحد أبرز قادة المقاومة للدفاع عن لبنان، السيد مصطفى بدر الدين، والسادة سليم عياش وحسين عنيسي وأسد صبرا.

لا يجوز بحسب القانون الدولي توجيه أي اتهام أو إدانة إلى بدر الدين بعد اليوم

لم يأت اتهام بدر الدين ورفاقه صدفة. فهذا الرجل كان من أبرز الذين ألحقوا الأذى بالكيان الصهيوني وعطّلوا العديد من خطط الاستخبارات الإسرائيلية منذ سبعينيات القرن الماضي عندما كان مع رفيقه القائد الشهيد عماد مغنية في صفوف حركة فتح بقيادة الشهيد خليل الوزير (أبو جهاد). ومن معركة الدفاع عن بيروت في خلدة عام 1982 حيث أُصيب ذو الفقار في ساقه، إلى خطوط المواجهة الأمامية في الجنوب، إلى غرف العمليات السرية لأمن المقاومة، إلى جبهات قتال التكفيريين في سوريا والعراق، لم يهدأ القائد يوماً ولم يتوقف للحظة عن البحث عن سبل تطوير العمل الجهادي وحماية المقاومة ومدّ المناضلين بالمال والسلاح ومقومات الصمود.

وفي 2013 كشف المدعي العام في المحكمة الخاصّة بلبنان عن أحد أبرز إنجازات السيد ذو الفقار ورفاقه عبر اتهامه، زوراً، السيد حسن مرعي بالضلوع باغتيال الرئيس الحريري. إذ إن مرعي «من أهم المطلوبين في إسرائيل بعد أن كان رأس حربة في عملية خطف الجنود الإسرائيليين في تموز 2006» بحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية.

أما حجة البعض بأن التهم الدولية مستندة إلى أدلة جنائية صادقة، فيردّ عليها المحامي الفرنسي فنسان كورسيل لابروس، المكلف الدفاع عن حقوق أحد المتهمين. فبعد اطلاعه على الملف القضائي، أعلن لابروس في إحدى الصحف في 6 تموز 2015 أن «اللبنانيين سيدركون الفراغ الذي يحتوي عليه ملف المدعي العام». ولدى سؤاله عن احتمال أن يكون لدى المدعي العام الدولي مفاجأة بشكل «أرنب يخرجه من قبعته في اللحظة الأخيرة»، قال: «ستكون لدينا البندقية المناسبة لاصطياده».

لكن صدور مذكرات توقيف دولية بحقّ المقاومين الخمسة عن المحكمة الخاصّة أسهم في جهود الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية لشلّ عمل جزء من جهاز أمن المقاومة منذ عام 2011، خصوصاً بعد اغتيال الحاج رضوان في دمشق عام 2008. واحتفل الإسرائيليون هذا العام باغتيال السيد بدر الدين، ولا شك في أنهم يسعون إلى تصفية المتهمين الأربعة الباقين. أما ردّ فعل البعض في لبنان، فكان إصرارهم على أن السيد ذو الفقار لم يستشهد، وبثّهم شائعات عن طلب المحكمة عينات «دي أن آي» للتأكد من وفاته. وجاءهم الردّ بالأمس من غرفة الاستئناف التي سارعت إلى تأكيد «أن أدلة كافية قد قُدمت لإثبات وفاة السيد بدر الدين»، ما شكّل خيبة أمل إضافية لجمهور يظنّ أن هذه المحكمة تشكل «أبرز إنجازات ثورة الاستقلال». «الحقيقة» هي أن المقاوم السيد مصطفى بدر الدين استشهد، ولا يجوز ـ بحسب القانون الدولي والتزاماً بمبدأ قرينة البراءة ـ توجيه أي اتهام أو إدانة بحقه بعد اليوم... ويبدو أن هذا أمر يفوق قدرة البعض على تحمّله.