في ظل التحولات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، على المستويات السياسية والعسكرية والأمنية، بدأت تلوح في الأفق مؤشرات صراع خفي على "الشرعية"، بين كل من تنظيم "داعش" و"القاعدة" والسعودية، من المرجح أن تكون له تداعياته كبيرة في المرحلة المقبلة، بسبب التنافس الذي سيظهر في العديد من المجالات.
إنطلاقاً من هذا الواقع، تصبح كل المواقف السياسية وغير السياسية، التي تصدر عن الجهات الثلاث ذات أهمية فائقة، نظراً إلى أنها تعكس المستوى الذي وصل إليه هذا الصراع في الوقت الراهن، الأمر الذي سيحد بشكل رئيسي من حرية حركة الرياض على مستوى العلاقات الخارجية، لا سيما بالنسبة إلى الموقف من الجمهورية الإسلامية في إيران.
في هذا السياق، برزت في الساعات الأخيرة رسالة من أمير "القاعدة" أيمن الظواهري، يهاجم فيها المملكة بشكل شرس، بعد أيام قليلة على تنفيذ "داعش" عملية إرهابية في المدينة المنورة، وقد ذهب الرجل إلى حد توجيه إتهام خطير للرياض، يتمثل بالوقوف وراء عملية إغتيال زعيم "جيش الإسلام" زهران علوش، الذي كان يعتبر رجل المملكة الأول على الساحة السورية، حيث أكد أن "السعودية تستدرج البعض للرياض ليوقعوا على وثيقة بقبول التعددية وطرد المهاجرين، ثم يقتلون بعدها علوش، ويسوقون لهم بضاعة فاسدة، أسموها الهدنة، سعياً في شق صف المجاهدين بهدنة مكذوبة".
بالتزامن، خرج حمزة بن لادن، نجل مؤسس "القاعدة" أسامة بن لادن، مرّة جديدة إلى الأضواء، عبر رسالة صوتية، هدد فيها واشنطن بالإنتقام لإغتيال والده، متعهداً بمواصلة التنظيم القتال ضد الولايات المتحدة وحلفائها، في حين كان "داعش" قد أثبت بأنه أصبح الرقم الأول على الساحة "الجهادية" على مستوى العالم، من خلال العمليات التي قام بها مؤخراً في أكثر من دولة وخلال وقت قصير، ما يدل على أن "القاعدة" راغبة، من خلال الإستعانة ببن لادن الابن بما يملكه من سلطة معنوية كونه نجل المؤسس، بالتأكيد أنها لا تزال حاضرة في الميدان، على عكس ما هو الواقع الفعلي، مع العلم أن الظواهري كان قد تعمد في رسالته التشكيك بـ"شرعية" زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي.
ما تقدم يوضح مستوى الصراع على "الشرعية"، بين "داعش" و"القاعدة"، على الساحة "الجهادية"، الذي كان قد إنفجر على خلفية الخلاف حول القيادة على الأرض السورية، بعد أن عمد البغدادي إلى إعلان "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، بالإضافة إلى حل جبهة "النصرة"، أي جناج "القاعدة" السوري، الأمر الذي رفضه أمير الجبهة أبو محمد الجولاني، بالتنسيق مع الظواهري، لكن إستهداف الرياض، أمنياً وسياسياً، يؤكد أنها جزء من هذه المواجهة، خصوصاً بعد أن عمدت، في الفترة الأخيرة، إلى محاولة التصدي، عن طريق إستخدام القوة، لمختلف الملفات العالقة، لا سيما في سوريا واليمن والعراق، بهدف إثبات أنها لا تزال تملك "شرعية" التحدث باسم العالم الإسلامي وتمثيله، من خلال الإعلان عن تشكيل تحالف عسكري إسلامي لمحاربة الإرهاب، لم يظهر على أرض الواقع حتى اليوم، بالإضافة إلى الدخول العسكري المباشر في الحرب اليمنية.
وفي إطار ذهاب الرياض إلى رفع السقف عالياً في مواقفها، لناحية محاولة كسب ثقة المواطنين في السعودية وباقي البلدان العربية والإسلامية، بعد أن عملت التنظيمات الإرهابية إلى إستغلال الفشل الذي ظهر في السنوات السابقة، والذي كان سبباً في ظهور ظاهرة "الإحباط"، من الملاحظ إنجرافها نحو الدخول في الصراع المذهبي على مستوى المنطقة، الأمر الذي كانت تلك التنظيمات ذهبت إليه منذ إحتلال العراق في العام 2003، وهو ما عبر عنه رئيس الإستخبارات السابق في المملكة تركي الفيصل، خلال مشاركته في مؤتمر المعارضة الإيرانية الأخيرة في باريس، وقوله أن النظام في طهران سيسقط عاجلاً وليس آجلاً، بالإضافة إلى العديد من المواقف الأخرى.
المحاولات السعودية لإستعادة زمام المبادرة لم تتوقف عند هذا الحد، أي الدخول في حرب اليمن وإعلان التحالفات العسكرية وخوض مواجهة سياسية مفتوحة مع إيران، فهي تدرك أن المعركة الحقيقية في الميدان الفكري، خصوصاً أن "داعش" و"النصرة" يمثلان المدرسة الدينية الوهابية، شريكة العائلة المالكة في الرياض عند التأسيس، وهو ما ظهر من خلال كلام الملك سلمان بن عبد العزيز إليه، خلال أيام عيد الفطر، عن ضرورة حماية الشباب من الأفكار المتطرفة، مع العلم أن بعض الإحصاءات السابقة كانت قد تحدثت عن تعاطف قسم كبير من الشعب السعودي مع أفكار تلك التنظيمات، بالإضافة إلى تواجد أعداد كبيرة منهم في صفوفها.
في السياق نفسه، تأتي التحولات الأخيرة داخل المملكة، خصوصاً بعد إعلان ولي ولي العهد محمد بن سلمان، الرجل الأقوى في الرياض حالياً، عن رؤيته الإقتصادية ضمن خطة تمتد إلى العام 2030، حيث ترافقت مع تقليص صلاحيات "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، بالإضافة إلى الحديث عن دور المرأة وحقوقها، ما يوحي بأن صراعًا آخر قد يظهر تباعاً بين المؤسستين الدينية والسياسية.
في المحصلة، يتصاعد الصراع بين "داعش" و"النصرة" والسعودية على "الشرعية"، في الوقت الراهن، وهو قد يتخذ أبعادا جديدة في المرحلة المقبلة، لكن الأكيد أنه سيكون عاملاً أساسياً في عملية صنع القرار في الرياض لفترة طويلة من الزمن.