ظهرت ابتسامة بريئة على وجوه المواطنين اللبنانيين الذين استبشروا خيراً بالاتفاق الذي تم بين التيار الوطني الحر وحركة امل في ما خص موضوع التنقيب عن الغاز والنفط، والذي من المفترض ان يسلك طريقه نحو "القوننة" قريباً. وفيما تساءل اللبنانيون عن سر هذا الانفراج المفاجىء، اتى الجواب ان المسألة تتعلق بأطماع اسرائيلية بعد ان ثبت بما لا يقبل الشك وجود نفط وغاز في اماكن متنازع عليها، وقد تستغل اسرائيل الوضع للسيطرة على هذه الموارد على طريقة "الضربة لمن سبق".
ولكن، وعلى غرار كل ما يحصل بشكل فجائي، بدأ يسود في الاوساط والصالونات السياسية كلام هو اقرب الى الشائعات منه الى الانباء، ويفيد ان الاطماع الاسرائيلية ليست بالنفط والغاز اللبناني، بل بالمياه وعليه فإن "الليونة" الدولية تجاه لبنان لناحية النفط تقابلها خطط خبيثة لانتزاع اجزاء من مياهه والسيطرة عليها، لان السنوات المقبلة ستتحول فيها المياه الى كنز طبيعي قد يندر وجوده.
هذا الكلام قد يصلح كتحذير لا ضير من التأكد من صحته، ولا شك ان التحرك في اتجاه التخلص منه عبر خطوات عملية لبنانية واقعية ومنطقية هو امر يصب في مصلحة لبنان بالدرجة الاولى، دون انتظار الاشقاء والاصدقاء ليملوا علينا ما يجب فعله في هذا السياق، لانه لن يحبنا احد اكثر من نفسه ومصلحته.
كان سبق للبنان ان حذر اسرائيل من محاولة السيطرة على مياهه، ولكن منذ ذلك الوقت لم نعد نسمع عن دفاع لبناني عن هذه المياه، فلا الاطماع الاسرائيلية توقفت في هذا المجال، ولا الخطط الموضوعة من قبلها للاستفادة من "هدر" لبنان لحقوقه ومياهه قد تراجعت. ويجب النظر بمزيد من الريبة والحذر من الاتفاق الاسرائيلي-التركي الاخير الذي اعاد الامور الى مجاريها، واعاد فتح الشهية التركية على لعب دور مهم في المنطقة، والاتفاق مع الاسرائيليين على عدم خوض مواجهات بسبب المياه، واستفادتهما معاً من سوء ادارة لبنان لهذا الملف الحيوي الذي اجمع كل الخبراء في العالم على انه سيكون المادة الاكثر طلباً في المستقبل القريب.
ووفق ما يفرضه المنطق، فإن على لبنان ان يعمد، وفي اقرب فرصة ممكنة، الى تحديد حدوده البرية والبحرية بشكل رسمي مع كل من اسرائيل وسوريا، فيقطع عندها اي مخططات خبيثة لـ"التذاكي" على اللبنانيين في تقسيم ثروات المياه العائدة اليهم، واعطائها الطابع الرسمي فتصبح اي محاولة من قبل لبنان لاستعادة الحقوق المهدورة متأخرة وبمثابة اعتداء من المنظار الدولي.
ولا شك ان اقامة السدود والمحافظة على ثروة لبنان البحرية والاهم تنظيف المياه اللبنانية من الاوساخ والنفايات المتراكمة، هي الخطوات الاولى التي لا بد منها في سبيل وضع الركائز الاساسية للاستفادة من هذه الثروة التي تحسدنا عليها دول المنطقة وتضعها نصب اعينها لتحرمنا منها. ومن المعيب فعلاً ان تتكرر مأساة شح المياه التي اصابت لبنان ودفعت بالكثيرين الى الترويج لـ"شراء" المياه من الخارج وللصدفة كانت تركيا هي البلد الاقرب والاكثر استعداداً لتوفير المياه للبنانيين!
من هنا، لا يمكن تبرئة احد من الطمع بالمياه اللبنانية، وفي هذا المجال ليس هناك من صديق او شقيق، بل مصلحة لبنانية بحتة يجب الحفاظ عليها والدفاع عنها بشتى الوسائل وليس فقط بالوسائل القتالية والحربية، بل بالوسائل القانونية ايضاً لانها تقوي الموقف اللبناني وتجعله راسخاً في المحافل الدولية.
هي اذاً رسالة بمثابة تحذير الى المسؤولين اللبنانيين: لا تبادلوا النفط والغاز بالمياه اياً تكن الوسائل ان بالترغيب او بالترهيب، وافصلوا ملف النفط عن ملف المياه لما فيه مصلحة لبنان واللبنانيين.