على ضوء ما يجري في منطقة الشرق الأوسط من تحولات كبرى، تطرح أسئلة حول مستقبل الأوضاع في المملكة العربية السعودية، لا سيما بالنسبة إلى الشخصية التي ستصل إلى العرش بعد الملك الحالي سلمان بن عبد العزيز، بالرغم من أن العرف التقليدي يحسم الأمر لصالح ولي عهده محمد بن نايف.
منذ إبعاد الأمير مقرن بن عبد العزيز عن منصب ولي العهد، في شهر نيسان من العام 2015، بدأ الحديث الفعلي عن هذا الصراع، خصوصاً مع تعيين محمد بن سلمان، نجل الملك الحالي، في الموقع الثالث بالبلد، أي ولي ولي العهد، ما فُسر حينه على أنه محاولة لإبعاد متعب بن عبدالله، نجل الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، عن الواجهة، بعد أن كان الرهان على مقرن لإفساح المجال أمامه.
في ذلك الوقت، اعتُبِرت هذه التعيينات إنتصاراً لجناح أبناء سلمان بن عبد العزيز وأبناء نايف بن عبد العزيز، الأمر الذي أثار حوله جملة من الإعتراضات داخل الأسرة الحاكمة، لكنها لم تخرج إلى الأضواء، بسبب مكانة ونفوذ كل من محمد بن سلمان ومحمد بن نايف، فالأول هو وزير الدفاع أما الثاني فهو وزير الداخلية، لكن اليوم جميع المعطيات توحي بأن محمد بن سلمان حسم الأمر لصالحه، فهو بعد أن سيطر على أغلب مراكز صنع القرار في المملكة نجح في الحصول على الدعم الدولي، لا سيما الأميركي، لمسيرته، لكن كيف سيكون الإخراج المناسب لهذا الأمر؟
قبل الإنتقال إلى الدعم الذي حصل عليه ولي ولي العهد، في زيارته الأخيرة إلى واشنطن، يجب الإشارة إلى أن الصراع القائم يدور حول حلقة من أمراء قابضين على مفاصل المؤسسات الأمنية في السعودية، وزير الدفاع محمد بن سلمان، ووزير الداخلية محمد بن نايف، قائد الحرس الوطني متعب بن عبدالله، بالإضافة إلى دور وزير الخارجية الحالي عادل الجبير، الذي كان سفيراً لبلاده في الولايات المتحدة، قبل تعيينه على رأس المؤسسة الدبلوماسية، وهو من المحسوبين على محمد بن سلمان، والمساهم الرئيسي في تحسين علاقته مع البيت الأبيض، الذي كانت مؤسساته تفضل دائماً التعاون مع محمد بن نايف، الذي كان يعتبر من أبرز رجالات واشنطن من دون منازع.
في هذا السياق، يوصف محمد بن سلمان بأنه الرجل الأقوى على الإطلاق في بلاده، بسبب المراكز التي يتولاها، فهو بالإضافة لكونه ولي ولي العهد ووزير الدفاع، نائب رئيس مجلس الوزراء، والمسؤول عن خطة التحوّل الاقتصادي "رؤية السعودية 2030"، التي تهدف إلى إنهاء "الإدمان" على النفط داخل السعودية.
وعلى عكس الكثير من الأمراء في الأسرة الحاكمة، لم يتلق محمد بن سلمان أي تعليم خارج البلاد، بل هو من خريجي القانون في جامعة الملك سعود في الرياض، ومنذ توليه هذه المسؤوليات ساهم في إحداث نقلة نوعية في إدارة الحكم في بلاده على صعيد الذهاب نحو إستخدام القوة، من خلال إدخالها في الحرب باليمن، بالإضافة إلى السعي إلى تشكيل تحالف إسلامي عسكري، بالتعاون مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد أن شهد دور الرياض تراجعاً ملحوظاً في عهد الملك السابق، الأمر الذي ساهم في بروز لاعبين إقليميين آخرين، على رأسهم تأتي قطر.
وفي حين يعتبر البعض أن ولي ولي العهد سيقود بلاده إلى واحد من إحتمالين لا ثالث لهما: الإنهيار أو الريادة، في ظل الأزمات المتعددة التي تعاني منها، تشير المعطيات إلى أن طموح الرجل بات مدعوماً من الولايات المتحدة، بالرغم من أنه يأتي على حساب حليفها الأول ولي العهد، فواشنطن تريد تحقيق مصالحها، بغض النظر عما يحصل في الطريق إلى تحقيق هذه الغاية، كما أن محمد بن سلمان يحظى بدعم العديد من الدول الخليجية، التي تفضل التعاون معه على محمد بن نايف، ومنها الإمارات على سبيل المثال.
على هذا الصعيد، يجب مراجعة ما نقل عن مصادر إستخباراتية أميركية عبر شبكة "NBC"، بالتزامن مع زيارة محمد بن سلمان الاميركية، حول تدهور حاد في صحة محمد بن نايف، مرجحة أن الكفّة باتت تميل إلى ولي ولي العهد، حيث تحدث بروس ريدل، الضابط السابق في المخابرات الأميركية والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط، وعضو الفريق الانتقالي في إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، عن أن القيادة الأميركية هي التي وجهت الدعوة إلى محمد بن سلمان، للتعرف عن قرب على الشخصية التي ستعتلي على الأرجح، حسب تقديرات المسؤولين الأميركيين، العرش خلفاً لوالده.
بناء على ما تقدم، يمكن القول أن محمد بن سلمان، الذي يسيطر على أغلب المؤسسات العسكرية والإقتصادية في السعودية، يسلك طريقه نحو التتويج ملكاً، لكن هذا الأمر يتطلب إزاحة منافسه الأول ولي العهد، أي تكرار ما حصل مع مقرن بن عبد العزيز، مع ضمان عدم حصول أي ردات فعل نتيجة ذلك، على إعتبار أن محمد بن نايف يسيطر على مؤسسات وزارة الداخلية، بالإضافة إلى تحالفه مع متعب بن عبد الله، قائد الحرس الوطني، وهو يراهن في هذا المجال على الدعم الذي بات يحظى به من قبل غالبيّة الدول الغربية، التي عقد معها العديد من الصفقات الإقتصادية والتجارية، بالإضافة إلى دعم أوساط واسعة في السعودية لخطواته، لا سيما الحرب في اليمن، على إعتبار أنها تدخل في إطار المواجهة مع الجمهورية الإسلامية في إيران، بالإضافة إلى تصوره كمخلص لدى فئة الشباب التي تشكل القسم الأكبر من السعوديين.
بالتزامن، من الضروري الإشارة إلى أن مشروع ولي ولي العهد قد يصطدم مع توجهات المؤسسة الدينية في السعودية، لناحية الإنفتاح ومنح المرأة دوراً أكبر في البلاد، وهي التي تعتبر أقرب إلى محمد بن نايف، كونها كانت تحظى برعاية والده سابقاً، لكن على ما يبدو أن محمد بن سلمان يدرك ذلك جيداً، حيث تشير جميع المعطيات إلى أن كل هذه التحولات لن تجري في الوقت الحالي، بل على العكس هو يعمل على إستمالة رجال الدين الفاعلين إلى جانبه، والتعاون معهم، ما يعني أنه يدرس كل خطواته جيداً، ويدرك كيفية اللعب على التوازنات، لا سيما أن هيئة كبار العلماء مرتبطة إلى حد بعيد بالديوان الملكي، وتعيينها يحصل بقرارات من الملك نفسه.
في المحصلة، باتت جميع المؤشرات توحي بأن محمد بن سلمان سيكون هو الملك السعودي المقبل أو على الأقل يتقدم على حساب محمد بن نايف، ما يفتح المجال أمام مجموعة من التساؤلات حول إمكانية أن يحصل التحول في السلطة بشكل هادىء هذه المرة، خصوصاً أن التطورات في المنطقة باتت تتسارع، أم أن الأمر سيحصل وسط إعتراضات داخلية في العائلة الحاكمة، مع العلم أن الدعم الدولي يلعب دوراً في ترجيح كفة أمير على آخر.