ارتشف بعض من "14 آذار" الترياق السعودي لمجرد أن استقبل الملك سلمان الرئيس سعد الحريري مرتين؛ قبل عيد الفطر المبارك وخلاله، واعتبر الكثيرون من المراقبين أن هذه المبادرة الملكية إنما هي إعادة تبنٍّ سعودية للرئيس الحريري، دعماً له في مواجهة خصومه السياسيين في الداخل اللبناني، وتزكية سُنّية لزعامته، خصوصاً في معركته المعلَنة مع الوزير السابق أشرف ريفي، ومعركته المستترة مع الوزير المشنوق نحو السراي الحكومي، لاسيما بعد الهزائم البلدية الكبيرة التي مُني بها.

صادفت هذه "التعويمة" السعودية للرئيس الحريري، مع صرخة استغاثة أطلقتها إحدى إعلاميات تلفزيون المستقبل، مطالبة الحريري بمبادلة وفائها وزملائها، عبر دفع الرواتب المتراكمة منذ عشرة أشهر، وتلتمس طمأنة واقعية على مستقبلها ضمن "المستقبل".

وإذا كان الحريري خلال زيارته للسعودية "سيتنشّق الأخضر الأميركي" لحل معضلته المالية الشخصية، وحلحلة أوضاع رواتب موظفي "سعودي أوجيه" ووسائل إعلام "المستقبل"، فإن السعودية عبر تعويم الحريري مالياً، ستُغرقه سياسياً في الداخل اللبناني، لأن من يكون الأقرب إليها في الظروف الحالية هو الأبعد عن السراي، سواء كان سعد الحريري أو سواه.

تعويم السعودية للحريري ليس بمستغرَب نتيجة "وحدة الحال"، لكن دعوة الزيارة التي وجهتها السعودية للعماد ميشال عون وزيارة السفير العسيري للرابية، وما يقال عن رفع الفيتو السعودي عن وصول الجنرال إلى بعبدا، كل هذه السياسات السعودية المستجدّة لن تؤدي لوصوله، لأن الفيتو الأساسي الذي يعرقل وصوله هو في عدم إمكانية تمرير صفقة أن يكون عون لبعبدا والحريري للسراي، ومفتاح السراي هو في الضاحية وليس في الرياض، وما لم يبدأ الحريري بتلاوة فعل الندامة على مواقفه من المقاومة وإسكات أبواق "جماعته" عنها، فإن السراي ستبقى "حلم ليلة صيف"، وإذا بقي الشرط الحريري أن يقبل "المستقبل" بعون مقابل الحريري للسراي، فلا مستقبل لعون في بعبدا ولا للحريري في السراي.

وإذا كان الحريري يعاني من انهيارات في "تيار المستقبل" وسوء علاقة مع حلفاء الأمس، إضافة الى الانهيار الدراماتيكي في زعامته السُّنية، فإن وضع الجنرال عون ليس أفضل حالاً، لأن تفاهمه مع القوات لم ينعكس على الأرض تحالفات انتخابية في البلديات؛ تتخطى ظروف كل مدينة وقرية، إضافة إلى انكشاف "عدم الانضباط الحزبي" في الانتخابات، وما ربحه الجنرال كان بفضل "الحالة العونية" وليس بفضل نواب "التيار" الذين سبح بعضهم عكس "التيار" وباتوا موضع مساءلة.

إن الفريق البرتقالي الذي يتمنى وصول الجنرال إلى بعبدا، هو فريق المراكز القيادية في "التيار" ومن يسانده من المناصرين، وهو نفسه الفريق الذي يؤيد التفاهم على ملف النفط مع الرئيس بري، وهو الذي لا يمانع بالحوار مع الحريري، وبتمزيق "الإبراء المستحيل" والإتيان بالحريري رئيساً للحكومة، وهو تحديداً الفريق المؤيّد لرئيس "التيار" المهندس جبران باسيل.

الفريق البرتقالي الثاني، هم "العونيون" الذين يرفضون أصلاً فكرة التيار السياسي والهيكلية التي ظلمت بعضهم واستبعدت البعض الآخر، وهم الذين يطالبون السير إلى النهاية بإجراء التحقيقات المالية في الجرائم التي تطرّق إليها "الإبراء المستحيل"، وكشف مصير الأحد عشر مليار دولار، وهم أيضاً الذي يعارضون الجلوس على الطاولة لمحاورة مرتكبين، حتى ولو كان الثمن عدم الوصول إلى بعبدا، وهم أيضاً وبكل صراحة يرون أن خليفة العماد عون هو العميد شامل روكز وليس الوزير جبران باسيل.

وإذا كانت السعودية تبحث عن بقايا دور، بتعويم الحريري ورفع الفيتو عن العماد عون، بهدف تعويم نفسها إقليمياً بعد هزائمها في اليمن والعراق وسورية، ليبقى لبنان الورقة التفاوضية مع إيران، فإن فرنسا التي دخلت على خط الشغور الرئاسي عبر استقبال مرشحين محتمَلين لرئاسة الجمهورية اللبنانية، وعبر إرسال وزير خارجيتها في مهمة محسوم فشلها سلفاً، فإن مبادرة المؤتمر الدولي لبحث الفراغ الرئاسي في لبنان أثبتت عدم جدواها، وأُلغيت فكرة المؤتمر لأن فرنسا ليست بالوزن الذي يؤهّلها لهذا الدور، إضافة إلى أن وسائل الإعلام الفرنسية اعتبرت أن الرئيس هولاند الذي باتت شعبيته في أدنى درجاتها، يحاول تعويم نفسه دولياً هو الآخر، للتغطية عن عجزه الداخلي في مواجهة المعترضين على تعديل قانون العمل والمتظاهرين يومياً لإصلاح أجورهم، حتى كادت باريس تغرق بالنفايات خلال البطولة الرياضية التي استضافتها لكأس أوروبا في كرة القدم.

لا مفاتيح دولية ولا إقليمية لقصر بعبدا، ومفتاح السراي لن يسلّم للحريري قبل إعلان التوبة عن مواقفه المعادية للمقاومة، وكل محاولات صفقة "مفتاح لك ومفتاح لي" ستبوء بالفشل، ولا انتخابات رئاسية لا في آب ولا في 2016، ومادامت المواقف الحريرية غير المسؤولة من المقاومة باقية كما هي عليه، فإن الوضع باقٍ كما هو عليه.