أعاد الجيش السوري وحلفاؤه خلط الأوراق الميدانية من جديد على جبهات حلب؛ حصار مطبق بات مفروضاً على مسلحي "جبهة النصرة" والميليشيات المتحالفة معها في المدينة، بعد قطع طريق الكاستيلو الاستراتيجي نارياً، وكسر دفاعات المسلحين في الليرمون، رغم الهجمات العنيفة التي شنّتها "الجبهة" بهدف كسر الحصار دون جدوى. رزمة مستجدات تزامنت مع التطورات الأخيرة في الأسبوعين الأخيرين؛ معلومات صحافية روسية تحدثت عن عمليات عسكرية روسية مقبلة غير مسبوقة في جبهات الشمال والشرق ضد تحصينات "داعش"، انتقاماً لإسقاط مقاتلتها قرب تدمر ومقتل طياريها في الثامن من الجاري، قد يتخللها دخول صواريخ باليستية في بحر قزوين على خط تلك العمليات، تمّ التمهيد لها عبر مشاركة قاذفات استراتيجية من طراز "تو 22 أم 3" انطلقت من روسيا باتجاه أهداف للتنظيم شرق تدمر.. رسالة لافتة وجّهها الرئيس السوري بشار الأسد إلى الجنود والحلفاء على جبهات حلب، عبر أجهزة "التيترا"، والتي تلقّفتها سريعاً دوائر أنقرة والرياض وواشنطن بتوجس، وفق إشارة المحلل العسكري في صحيفة "ذي ناشونال انترست"؛ ديف مادجوردار، ناقلاً عن مصدر رفيع المستوى في الاستخبارات الفرنسية، اعتبار هذه الرسالة في هذا التوقيت بمنزلة "أمر عمليات" لاستمرار تكتيك "القضم التدريجي" الذي يعتمده الجيش السوري في معاركه بأقل الخسائر الممكنة، مرجّحاً أن تتجه عمليات مباغتة للجيش وحلفائه شرقاً، تفضي إلى مفاجآت على أسوار مطار الطبقة، وبعدها على أبواب الرقة.
وفي خضم التطورات الميدانية المستجدة، وعلى وقع استمرار الحشود الضخمة للجيش السوري وحلفائه شمالاً، برز خبر إيراني لافت على لسان النائب في مجلس الشورى الإسلامي؛ جواد كريمي قدوسي، كشف فيه عن اقتراب إبرام صفقة "إسرائيلية" مع حزب الله للإفراج عن أسرى "إسرائيليين على مستوى عالٍ" وقعوا بقبضة الحزب خلال معارك ريف حلب الجنوبي منتصف شهر أيار المنصرم، إضافة إلى أسرى من فرنسا ودول أوروبية أخرى شاركت في تلك المعارك، وفق تعبيره.
كلام قدوسي أكد ما كانت سرّبته مصادر صحافية في بيروت في شهر أيار المنصرم؛ حين أماطت اللثام عن وقوع أكثر من صيد ثمين في شباك حزب الله بمعارك ريف حلب الجنوبي، عبر عملية نوعية نفّذتها فرقة خاصة في الحزب ضد غرفة عمليات في معقل "جبهة النصرة"، أفضت إلى أسر ضابطين من الاستخبارات الفرنسية والأميركية كانوا ضمن مشغّلي الغرفة المذكورة، إضافة إلى شخصية قيادية في "معارضة الرياض".. المعلومات التي لفتت حينها إلى طلب أميركي عاجل من تل أبيب التدخُّل لإنقاذ المختطفين، لم تُشر إلى أسرى "إسرائيليين" ضمن المجموعة التي تمّ أسرها، إلا أن مصدراً صحافياً ألمانياً كشف النقاب عن وقوع أسيرين "إسرائيليين" على الأقل في قبضة حزب الله، أحدهما برتبة مقدّم، مبرزاً أن الواقعة دفعت "إسرائيل" سريعاً إلى التدخُّل عبر تسديد غارة على الحدود اللبنانية - السورية ضد ما اعتبرته استخباراتها "قافلة للحزب تنقل أسراها باتجاه الداخل اللبناني". وإذ أشار إلى تكتّم إعلامي مطبق من جانب حزب الله - كما من الجانب "الإسرائيلي" - على واقعة الأسر، كشف المصدر عن رسالة "إسرائيلية" عبرت إلى برلين أواخر الشهر الماضي، تتضمن طلب التوسُّط للتفاوض مع الحزب على إطلاق سراح الأسرى "الإسرائيليين"، مقابل الإفراج عن الدبلوماسيين الإيرانيين الذين تمّ اختطافهم إبان الإجتياح "الإسرائيلي" للبنان صيف العام 1982.
وفيما أشار إلى أن الصفقة المرتقَبة ستكون بمنزلة هدف ذهبي في مرمى حزب الله، كما دمشق وطهران، في توقيت يقود فيه الثلاثي معركة فاصلة في حلب، ستتجاوز بنتائجها الحدود السورية لتطال كل اللاعبين الإقليميين في المنطقة الداعمين لمسلحي المعارضة، رجّح المصدر أن تتمّ الصفقة في خضم تحوّلات ميدانية على الأراضي السورية، ستتّسم بأهمية بالغة، تحديداً بعد لقاء بوتين - أردوغان، في غمرة الضغوط العسكرية التي تواجهها روسيا، إن على حدودها، أو في الشمال السوري عبر القوات الأطلسية، وحيث يبدو أن "القيصر" نجح - عبر إعادة العلاقات مع تركيا - بتحييدها عن الانخراط في الحرب المقبلة التي قد تتحوّل في أي لحظة من باردة إلى شديدة السخونة انطلاقاً من بوابة حلب.
وعلى وقع الحضور العسكري اللافت في الأسبوعين الأخيرين لمقاتلي حزب الله على جبهات حلب، وسط حشود للجيش السوري صنّفتها التقديرات العسكرية بـ"الضخمة وغير المسبوقة"، وتزامناً مع تحوُّل المجريات الميدانية بشكل لافت لمصلحة هذا الجيش وحلفائه، والذي واكبه توجُّه ثلاث سفن إنزال روسية باتجاه الساحل السوري في غضون أسبوع واحد "لتأمين شحنات أسلحة نوعية بوتيرة متسارعة إلى الجيش السوري"، حسب ما ذكرت وكالة "انترفاكس"، يُطرح السؤال: هل بدأت دمشق وحلفاؤها بترجمة مقررات اجتماع طهران الشهير على الأرض؟ وما صحة المعلومات التي أكدت أن المعركة الاستراتيجية في حلب باتت "قاب قوسين أو أدنى"؟ سيما أن مصادرصحافية لبنانية كشفت عن زيارة عاجلة قادت الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إلى دمشق أواخر الشهر الفائت، "لأمر هام" يرتبط بالمعارك المرتقبة.