في الساعات الأخيرة، كان الجميع يترقب تطور الأوضاع في سوريا والعراق، بعد الإعلان عن مقتل وزير الحرب في تنظيم "داعش" الإرهابي طورخان باتيرشفيلي، المعروف بـ"أبو عمر الشيشاني"، خلال مشاركته في المعارك الدائرة في مدينة الشرقاط، جنوبي مدينة الموصل، بعد أن كانت واشنطن قد أعلنت في أكثر من مناسبة مقتله، كان آخرها في شهر آذار الماضي، حيث أفادت وزارة الدفاع الأميركية، البنتاغون، عن إغتياله في غارة جوية في سوريا، نظراً إلى أن الرجل يعتبر من أبرز قيادات التنظيم على المستويين العسكري والأمني.
في الإعلانات السابقة، كان "داعش" يتعمد عدم الرد عليها، سواء بالنفي أو التأكيد، لكن هذه المرة المصدر مؤكد، فهو صادر عن وكالة "أعماق"، التي تعتبر الذراع الإخبارية للتنظيم، حيث تمت الإشارة إلى مقتله "في الخطوط الأولى مدافعاً عن شريعة السماء، مقبلاً غير مدبر"، ولكن ما تأثير هذا الأمر على قدرات "داعش"، في ظل المواجهات المصيرية التي يخوضها على الجبهات في سوريا والعراق؟
على الرغم من الأهمية الكبيرة التي يحظى بها "الشيشاني"، نظراً إلى تاريخه الطويل على مستوى العمل ضمن التنظيمات الإرهابية في العديد من الساحات، حيث خاض القتال ضد القوات الروسية في الشيشان، قبل أن يلتحق عام 2006 بالخدمة الاجبارية في الجيش الجورجي، ثم خاض القتال ضد القوات الروسية للمرة الثانية عام 2008، إلى حين ظهوره كأحد قادة مجموعة من "الجهاديين الأجانب" في شمال سوريا في العام 2012، وصولاً إلى تعيينه وزيراً للحرب في "داعش"، لا يمكن القول أن إغتياله سوف يقود إلى إنهيار التنظيم على المستوى العسكري، فهذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها لمثل هذه المحنة، كما أن تاريخ الجماعات الإرهابية يثبت قدرتها على تجاوز مثل هذه الأحداث بسرعة قياسية، لا بل هي تستفيد منها على المستوى المعنوي، لجذب المزيد من المقاتلين، بالإضافة إلى تشجيع الآخرين على الإنتقام.
وفي حين يسجل ظهور "الشيشاني" الأبرز على الحدود السورية العراقية، حيث كان مشاركاً إلى جانب المتحدث الرسمي باسم "داعش" أبو محمد العدناني، في فيديو "كسر الحدود" بين سوريا والعراق عند الإعلان عن تشكيل نظام "الخلافة"، تجدر الإشارة إلى أن العدناني نفسه كان قد ألمح في وقت سابق إلى مقتله، في معرض التأكيد عن أن مثل هذه الأعمال لن تؤثر على سير المعارك، حيث أكد في رسالته الأخيرة، قبل شهر رمضان الأخير، أن الولايات المتحدة "لم تنتصر عندما قتلت أبو مصعب وأبو حمزة وأبو عمر وأسامة"، متسائلاً: "هل ستنتصرين إذا قتلت الشيشاني أو أبا بكر أو أبا زيد أو أبا عمرو؟"، ومعتبراً أن "النصر أن ينهزم الخصم"، ما يؤشر إلى أنه كان يحضر الأجواء إلى مثل هذا السيناريو، خصوصاً أنه تزامن مع حديثه أيضاً عن إمكانية خسارة مواقع ومدن، من دون أن يعني ذلك الهزيمة من وجهة نظره.
في هذا السياق، كانت بعض الصحف العالمية، لا سيما الأميركية منها، قد تحدثت عن أن "داعش" باشر في عملية إعداد أتباعه وأنصاره لتهاوي وسقوط "الخلافة"، التي أعلن عنها في شهر حزيران من العام 2014، لكنها لم تدرك أن هذا لا يعني أن خطره سوف ينتهي في وقت قريب، فقد سبق أن خسر التنظيم معاقله في العراق خلال العام 2009، قبل أن يعود إلى الظهور إنطلاقاً من الأراضي السورية، بعد إستغلال الأحداث التي إندلعت فيها في العام 2011، كما أنها اليوم لم يعد تلك الجماعة الملاحقة في الصحراء العراقية، بل بات هو الملهم بالنسبة إلى الكثير من الفصائل والأفراد الذين يطمحون إلى تنفيذ هجمات باسمه، والدليل عدد العمليات التي وقعت خلال شهر رمضان، رغم كل الإجراءات الأمنية المتخذة في أغلب دول العالم.
ما تقدم، يقود إلى التأكيد بأن إغتيال أي قيادي في هذا التنظيم الإرهابي ليس أكثر من إنتصار معنوي في سياق الحرب عليه، قد يستفيد منه هو أيضاً على هذا الصعيد، لكنه لا يحسم معركة أو يقضي عليه، لأن المعادلة ليست متعلقة بفرد بل بمنظومة متكاملة على كافة المستويات: العسكرية والأمنية والسياسية والفكرية والإعلامية، ما يتطلب بذل المزيد من الجهود الحقيقية لا الإكتفاء بالإستعراضات فقط.
على هذا الصعيد، يمكن العودة إلى دراسة لجينا جوردن، نشرتها دورية "الأمن الدولي" في ربيع 2014، عن تأثير تصفية العناصر القيادية بالتنظيمات الإرهابية على مستوي العالم، كاحدى آليات إستراتيجية مكافحة الإرهاب الأميركية منذ أحداث 11 أيلول 2001، أكدت أن أغلب تلك التنظيمات تمكنت من الحفاظ على بقائها عبر تجاوز تداعيات سقوط رموزها القيادية وتوسيع نطاق عملياتها الإرهابية، مستندة لتحليل الإحصاءات الصادرة عن قاعدة بيانات الإرهاب العالمي، التي تؤكد وجود علاقة طردية بين عمليات اغتيال القيادات الإرهابية وعدد الهجمات التي ينفذها تنظيم "القاعدة "والتنظيمات الإقليمية والمحلية المنتسبة إليه.
في الختام، ستكشف الأيام المقبلة مدى تأثر "داعش" باغتيال وزير حربه، لا سيما في ظل المواجهات العسكرية المتعددة التي يخوضها، بالرغم من أن التجارب في هذا المجال غير مشجعة.