لم يكن هجوم نيس الحدث الوحيد الذي شغل الساحة الإقليمية هذا الأسبوع، فبينما كان العالم لا يزال مذهولاً بحجم الوحشية التي يُظهِرها الإرهاب التكفيري يومًا تلو آخر، كان الأتراك على موعدٍ مع محاولة انقلاب عسكري مفاجئ، كاد أن يطيح بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وفي وقت لم تكتمل صورة الأحداث التركية بعد، وهي مرشحة للتفاعل أكثر خلال الساعات المقبلة، بقي الغموض يلفّ ما حصل من كلّ الجوانب، من دون أن تتضّح ملابساته، أو حتى هوية منفذيه، خصوصًا أنّ الداعية الإسلامي التركي فتح الله غولن الذي وُجّهت له أصابع الاتهام بالوقوف وراء الانقلاب نفى الأمر، بل ذهب لحدّ إدانة ما حصل.
وفي هذا السياق، يرى الباحث في القضايا الإقليمية الدكتور طلال عتريسي أنّ "التراكم في سياسات أردوغان السابقة، ولا سيما ممارساته تجاه الجيش التركي، تركت أثراً سيئاً لدى القيادات العسكرية ما دفع الى هذا الإنقلاب"، ويشير في نفس الوقت الى أن "التبدل في موقف النظام الحاكم في تركيا من النظام بسوريا ومن العلاقة مع اسرائيل ساهم في ذلك، خصوصاً وأن أردوغان خفف كثيراً في الآونة الأخيرة من تصريحاته النارية تجاه سوريا بعد أن كان يعتبر النظام السوري دموياً، وسعى لإجراء مصالحة مع إسرائيل في الوقت عينه"، مضيفاً: "كأن الإنقلابيين يقولون بأن أردوغان لم يعد يؤتمن على البلاد". أما الكاتب والمحلل السياسي خليل فليحان فيرى أن "ما حصل بتركيا مفاجئ خصوصاً وأن أردوغان وضع لأول مرّة حزبه في مواجهة مع الجيش التركي"، مؤكداً أن "هناك إذلالاً لهيبة العسكر بتركيا بهذا التصرف".
يعود فليحان بالذاكرة الى التظاهرات التي حصلت في مصر إبان إسقاط الرئيس المصري السابق محمد مرسي، لافتاً الى أن "ما حصل بتركيا يذكّرنا بالتظاهرات التي حصلت في مصر حينها وأدت الى وقوع قتلى وجرحى"، أما عتريسي فيعتبر أن "الأوروبيين لا يحبون الرئيس التركي الذي أحرج الأميركيين أيضاً في الكثير من المحطات، ورغم ذلك لا يمكن وضع هذا الانقلاب في خانة الرسالة الاميركية له ما لم تتضح الأسباب وتعلن جهة رسمية عن قيامها بهذا العمل". في السياق نفسه يرى عتريسي أن "هذه العملية الإنقلابية ستذهب أكثر نحو إقفال الأبواب بوجه الإرهاب الذي كانت غذّته تركيا خصوصاً وأن أردوغان بدأ يطلق التصريحات الإيجابية ناحية سوريا".
"الحركة الإنقلابية التي حصلت بالامس تجاه أردوغان كانت رسالة عليه تلقفها". هذا ما يراه فليحان. بدوره يشير عتريسي الى أن "على أردوغان أن يتقدم في سياسة المصالحة مع سوريا ومع روسيا لأن ما حصل كان إعتراضاً على سياسته"، لافتاً الى أن "عرش الرئيس التركي إهتزّ حتى لو فشل الانقلاب وصورته كزعيم قوّي ولّت الى غير رجعة"، معرباً عن اعتقاده بأن "أردوغان سيكون في الأيام المقبلة أقلّ غروراً وأكثر تصالحاً مع جواره الإقليمي".
في المحصلة حتى لو فشل الانقلاب التركي باسقاط حكم أردوغان، لن يعود الوضع في تركيا الى ما كان عليه قبل تلك المرحلة، ليبقى السؤال: هل حان موعد التغيير في تلك البلاد؟!