لا جدال في أن فشل الجيش الاسرائيلي في مواجهة الطائرة غير المأهولة في الجولان، أول من امس، فشل موصوف وذو دلالات، وسيكون حاضراً لدى الجهات المعنية بالمواجهة المستقبلية مع اسرائيل.
ولا جدال ايضاً في ان هذا الاخفاق سيكون حاضراً لدى صنّاع القرار السياسي والامني في تل ابيب، لفحص تداعياته وإمكان استفادة الاعداء منه ومحاولة الحدّ من أضراره.
ويزيد على منسوب الفشل وتداعياته، انه جاء في ظرف مكاني وزماني استثنائي. فالجولان منطقة ساخنة اساساً، وتشهد جاهزية اسرائيلية مرتفعة لمنظومات الدفاع الجوي والجمع الاستخباري على انواعه. كما تشهد منذ ايام ـــ وللمفارقة ــــ مناورات وتدريبات تشمل تفعيل منظومات الدفاع الجوي بطبقاته المختلفة لـ»تحسين الجاهزية»، في محاكاة لمواجهة مفترضة مع اعدائها انطلاقاً من الحدود اللبنانية والسورية. وللمفارقة ايضاً، فان المناورات تحاكي مواجهة تساقط صواريخ وقذائف صاروخية و... طائرات غير مأهولة بأنواعها!
يمكن الافتراض، الى حد القطع، ان الفشل ــــ شكلاً ومضموناً ــــ في اعتراض الطائرة، يحول دون اعلان تل ابيب نجاح هذه المناورات، كما تفعل عادة في اعقاب المناورات التي يجريها الجيش. كما يحول دون اعادة التأكيد على انها باتت جاهزة، اكثر، لمواجهة التهديدات. الفشل العملي، في هذه الحالة، يحول دون الاعلان عن النجاح النظري.
«استخلاص العبر»
هي كلمة السر التي تحاول تغليف الحقائق المرّة بعبارات مهنية
يعدّ الفشل عينة عملية، وإن محدودة، لسيناريوهات وفرضيات ستشهدها الحرب المقبلة في مواجهة حزب الله. هي اشارة الى محدودية فعالية الجاهزية الاسرائيلية المعلنة للمواجهة المستقبلية، وهي حالة عملية كاشفة عن الفرق بين الافتراض النظري والواقع العملي. واذا كانت النتيجة هي الفشل في مواجهة طائرة مسيرة واحدة، فكيف الحال في مواجهة مجموعة من الطائرات تطلق بالعشرات دفعة واحدة في اتجاه اهدافها في اسرائيل؟
بالطبع، اعلنت اسرائيل انها «ستستخلص العبر». هذا ما أكده مصدر امني رفيع للاعلام العبري، وعبّر عنه ايضا عضو المجلس الوزاري المصغر للشؤون الامنية والسياسية الوزير زئيف الكين، في حديث اذاعي امس، مطالبا قيادة الجيش بالتحقيق في الحادث و»استخلاص العبر»، واطلاع المجلس المصغر على نتائج التحقيقات. «استخلاص العبر»، هي كلمة السر التي تحاول تغليف الحقائق المرّة بعبارات مهنية لتعمية الحقائق، وخاصة ما يتعلق بالفشل الموصوف الذي يلامس الفضيحة العملياتية للجيش الاسرائيلي.
ستبرز في التحقيقات اسئلة كثيرة، منها: كيف امكن للطائرة ان تتسلل الى الداخل الاسرائيلي وتجول في الاجواء الاسرائيلية وفوق اهدافها طوال ساعة من الزمن؟ ولماذا فشلت المنظومات الدفاعية على انواعها، ثلاث مرات، في اعتراض الطائرة، وكيف لمنظومة باتريوت ان تفشل مرتين، مع فشل اضافي لطائرت سلاح الجو بعد اطلاق صواريخ جو ــــ جو في اتجاه الطائرة؟ ماذا عن الفشل غير المعلن لمنظومة القبة الحديدية التي كانت حاضرة في مناورات الجيش الاسرائيلي في الجولان لحظة تسلل الطائرة، والتي اعلنت اسرائيل قبل اشهر انها عُدّلت لمواجهة هذا النوع من الطائرات؟ كيف سيقرأ المستوطنون، وتحديداً مستوطني الشمال القريب من الحدود مع لبنان، الفشل الاسرائيلي في اعتراض الطائرة، وإمكاناته في رفع مستوى القلق والخشية لديهم من قدرات حزب الله؟ وبشكل اساسي، سيبرز السؤال الآتي: ما هي «دروس وعبر» الفشل الاسرائيلي من جهة حزب الله وكيف سيستفاد منه في الحرب المقبلة، على خلفية التقديرات الاستخبارية الاسرائيلية، بأن سلاح الطائرات غير المأهولة هو سلاح اساسي موجود لديه بكثرة، الى جانب الصواريخ والخبرة القتالية الهجومية؟
يتوقع للآتي من الايام، محاولة اسرائيلية لترميم الصورة. من المتوقع ان تصدر عن تل ابيب مواقف وتقارير، موجهة الى اعدائها وجمهورها على السواء، تؤكد فيها على «النجاح الباهر» في اكتشاف الاخطاء و»استخلاص العبر»، مع التشديد على انها باتت جاهزة «عن جدّ هذه المرة»، للحؤول دون الفشل في المستقبل. كل ذلك مع ضرورة الاشارة الى ان اداء وجاهزية الدفاعات الجوية الاسرائيلية، التي ظهر فشلها مع حادثة الطائرة، مبنية بدورها على «استخلاص العبر» من حرب عام 2006، والمواجهات العسكرية اللاحقة للجيش الاسرائيلي مع اعدائه.