بعد مرور سنوات على عدم إيلاء ملفّ النفط الأهمية اللازمة وتركه يتخبّط ما بين السياسة والقانون، ها هو من جديد يعود بعد تحريكه بشكل فجائي ليوضع كملف أساسي على طاولة السياسيين اليوم بعد إختلاف في الآراء دام سنوات بين "التيار الوطني الحر" وحركة "أمل".
يتخطّى موضوع النفط لبنان ليشمل كلّ الدول العربية التي تعيش حالة نزاع مسلّح من سوريا وصولا حتى العراق، علمًا أنّ السبب الأساسي للنزاع فيها "جوهره نفطي"، بحسب ما تقوله مصادر مطلعة، حيث تلمح إلى أنّ سقوط الموصل بيد داعش لا كركوك، رغم أن سقوط الأخيرة أسهل بكثير، يعود بشكلٍ أساسي لكونها تضمّ أهمّ أنبوب نفط في العراق. وتذهب المصادر بعيدا بإتجاه سوريا لتؤكد أن "هناك كمية كبيرة من الغاز بالمياه السورية الإقليمية وهي قد تصل الى حدود 9 تريليون قدم مكعب، والحرب التي تجري تحمل عنوان "الديمقراطية" ولكن باطنها نفطي"، ومضيفةً: "موضوع النفط في لبنان مختلف وإتفاق الولايات المتحدة وروسيا حوله هو ما حرّكه"، لافتةً الى أن "المعنيين بالملفّ تلقفوا اشارات أميركية حول حلحلة في هذا الخصوص، فكان الإجتماع الذي عقد بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري ووزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، والذي أفضى بنتيجته الى الاتفاق على تلزيم البلوكات النفطية تباعاً كما أوصت هيئة ادارة قطاع البترول والنفط في لبنان على أن تفتح بلوكات الجنوب (8-9-10) في المرحلة الأولى للتلزيم".
المراسيم والبدء بالتلزيم
يشرح عضو هيئة ادارة قطاع البترول وليد نصر أن "هيئة ادارة البترول قامت منذ ثلاث سنوات بكل التحضيرات لإقامة دورة تراخيص، واكملنا الاطار القانوني والمؤسساتي وانهينا كل المسوحات الزلزالية في المنطقة الاقتصادية الخالصة بلبنان، واطلقنا الدورة الأولى وبنتيجتها اهّلنا 46 شركة عالمية لتشترك بدورة التراخيص في لبنان"، لافتاً الى أنه "ينقص في الاطار القانوني اقرار مرسومين مطروحين على مجلس الوزراء بهذا الخصوص، الأول يتعلّق بتقسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة الى بلوكات وقد قسمناه الى 10 بناء على المعطيات الجيولوجية والدراسات التي قمنا بها، فيما المرسوم الثاني يتحدّث عن دفتر الشروط". وفي هذا الخصوص يشرح عضو لجنة الطاقة النيابية النائب بدر ونوس أن "اللجنة قامت بعملها في مجال المرسومين المذكورين ورفعت توصيتها الى مجلس الوزراء منذ مدّة"، مشيراً الى أن "الموضوع الآن بات بيد رئيس الحكومة تمام سلام والمعنيين في هذا الشأن لوضعهما على جدول أعمال الحكومة متى شاؤوا أو لتركه منسياً كما حصل حتى الآن".
وبالعودة الى اقرار المرسومين، يتطرق نصر الى مرحلة ما بعد اقرارهما من الحكومة، مشيراً الى أن "دورة التراخيص الأولى تبدأ بعد موافقة الحكومة على دفتر الشروط وتقسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة"، لافتاً الى أن "هيئة ادارة قطاع البترول ترفع التوصيات بالعروض التي تقدمت لتطلب بعدها من وزير الطاقة ومن مجلس الوزراء الموافقة على تلزيم الشركات التي اعطت افضل عرض للبلوكات المطروحة للمزايدة".
حقول مشتركة مع اسرائيل
يقسم لبنان الى 10 بلوكات نفطية ثلاثة منهم في الجنوب وعلى الحدود مع اسرائيل وهم البلوكات 8-9-10، والأخيرة بدأت باستكشاف النفط في حقولها القريبة من الحدود مع لبنان وبدأت بإنتاج الغاز، وقد تمكنت هيئة ادارة قطاع البترول من الاستحصال على داتا لمسوحات زلزالية في المنطقة وأظهرت أنه يمكن أن يكون هناك حقول مشتركة بين لبنان واسرائيل. والتخوّف بحسب نصر أن "تستفيد اسرائيل من الغاز إذا كان هناك من حقول مشتركة والخطر أن يطور الاسرائيليون الحقول او ينتجوا منها ويمكن أن تؤثر على لبنان ويكون خاسراً لقسم من المخزون". أما ونوس فيشير الى أن "لبنان تأخّر كثيراً في قضية النفط، فإسرائيل بدأت بالتنقيب ونحن لم نباشر عملنا حتى في الحقول التي ليست على الحدود"، داعياً الى "الكفّ عن المحاصصة السياسية في هذا الخصوص وترك أهل الإختصاص يقومون بعملهم بعيداً عن المناكفات التي عرقلت هذه المسألة حتى يومنا هذا".
مرحلة الاستكشاف
في موضوع التنقيب عن النفط والغاز يتحدّث كثيرون عن هدر وسرقة للأموال مع البدء بالعمل على التنقيب، وهذه مسألة تثير الضحك بحسب نصر الذي يعتبر أن هذا الكلام عار من الصحة لأن لبنان وليبدأ بجني الأرباح في موضوع النفط يحتاج الى سنوات، شارحاً أن "المرحلة الأولى بعد فتح دورة التراخيص تُعطى الشركات ستة أشهر لتقدّم عروضها، بعدها تحتاج هيئة إدارة قطاع البترول الى شهرين أو ثلاثة لرفع تقريرها الى وزير الطاقة"، لافتاً الى أن "مرحلة الاستكشاف تلي مرحلة التلزيم وتمتد على 6 سنوات وفي حال وجدت حقل غاز في أي من الحقول تحتاج الشركات الى سنتين للبدء باستخراج النفط وإنتاج الغاز"، مشيراً الى أن "الشركات هي التي تتكفّل بدفع الأموال في مرحلة التلزيم وفي حال لم يتمّ إيجاد نفط في الحقول التي مُسِحَت فإن الدولة لا تعوّض عليها أياً من الخسائر". أما في حال إيجاد الغاز فإن الشركات، بحسب نصر "تسترد الكلفة التي دفعتها لتبدأ بعدها تقاسم الأرباح بينها وبين الدولة، وهذه العملية تستغرق سنوات".
في المحصّلة، عملية التنقيب عن النفط في لبنان أخذت حيّزاً واسعاً من الجدل، فالمصطادون في الماء العكر يؤكدون أن المحاصصة السياسية هي التي عرقلت هذا الملف، بيما سهّل الإتفاق على تقاسم الأرباح المسار حتى التوصل الى الاتفاق، فيما المعنيون في هذا الملف يشرحون أن العمل سيتم وفق توصيات هيئة ادارة قطاع البترول في لبنان، ولن يبدأ لبنان بجني الأرباح من هذا القطاع إلا بعد مضي سنوات. أمام هذا الواقع تساؤلات عدّة تطرح، فهل فعلاً آن الأوان ليبدأ العمل بهذا الملف جدياً، أم أن كلّ الحركة التي تحصل اليوم هي مجرد مضيعة للوقت لا تقدم ولا تؤخّر؟!
تصوير تلفزيوني عباس فقيه