منذ ما يقارب الشهرين، عادت الأسئلة عن إحتمال إعلان جبهة "النصرة"، الجناح السوري لتنظيم "القاعدة"، فك إرتباطها عن الجماعة الأم إلى الواجهة من جديد، نتيجة الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، في ظل الحرب المعلنة من أكثر من جهة على الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق.
في السابق، كانت بعض القوى الداعمة لفصائل المعارضة السورية، منها "النصرة"، تسعى إلى إقناع الجبهة بهذا الخيار، نظراً إلى أن إرتباطها بـ"القاعدة"، يعني عدم إمكانية الإستفادة من وجودها العسكري على المستوى السياسي، بالتزامن مع الإصرار الروسي على وضعها ضمن قائمة الأهداف العسكرية، في وقت كانت الولايات المتحدة تسعى إلى المماطلة قدر المستطاع، تحت عنوان التداخل بين مراكز ومواقع الجبهة والفصائل المُصنفة "معتدلة" من قبلها.
في هذا السياق، تبدو الظروف اليوم أصعب مما كانت عليه قبل أشهر قليلة، فمحاولة الإنقلاب الفاشلة في تركيا لن تمر من دون تداعيات تذكر، على الأقل لناحية إنشغال أنقرة بأوضاعها الداخلية، على حساب دورها في دعم الجماعات السورية المعارضة، في ظل عملية "التطهير" الواسعة التي تريد حكومة حزب "العدالة والتنمية" القيام بها، بالتزامن مع إرتفاع عدد الهجمات الإرهابية التي يقوم بها تنظيم "داعش" في البلدان الغربية، الأمر الذي سيدفع الجميع إلى تركيز الإهتمام على الحرب على الإرهاب، في سوريا والعراق، وهي حكماً لا يمكن أن تستثني الجماعات المرتبطة بـ"القاعدة"، على إعتبار أنها كانت سباقة في هذا المجال.
وفي حين كانت "النصرة" قد تعرضت في الآونة الأخيرة لإنتقادات واسعة، ومطالبات بإعلان فك الارتباط عن "القاعدة"، من قبل باقي الفصائل المتعاونة معها، على إعتبار أن هذا الأمر يستخدم وسيلة لإستهدافها تحت عنوان مكافحة الإرهاب، تأتي المعلومات في الوقت الراهن عن إقتراب موعد الإعلان عن إتفاق روسي أميركي، حول العمليات العسكرية في سوريا، لتزيد الطين بلة، فهذا الإتفاق يشمل التوافق على إستهداف الجبهة، مقابل وضع خطوط حمراء على إستهداف الحكومة السورية الفصائل المدعومة من واشنطن.
وعلى الرغم من أن المعطيات السابقة، كانت تشير إلى أن أمير "النصرة" أبو محمد الجولاني، لا يمانع الذهاب نحو خيار الإنفصال عن "القاعدة"، لكنه يخشى ردة فعل قيادات في الجبهة تعارض هذا الأمر بشكل حاسم، في حين هو سيكون في موقف محرج، في حال إعلانه هذا الخيار من دون ركائز "شرعية" يستند إليها، بسبب التشكيك به لنكسه سابقاً "البيعة" التي كان قد أعلنها لزعيم "داعش" أبو بكر البغدادي، قبل الخلاف بينهما بسبب الأوضاع على الساحة السورية، يبدو أن هذه الأزمة أصبحت في حكم المنتهية، بعد "الفتوى" التي حصل عليها بشكل علني من قبل أحد أهم منظري "التيار السلفي الجهادي" في الأردن أبو محمد المقدسي، والذي يعتبر من أبرز من يمكن تسميتهم بـ"علماء القاعدة".
المقدسي ألمح، قبل أيام في تصريح عبر مواقع التواصل الإجتماعي، إلى تأييده خيار فك الإرتباط، مؤكداً أن لا مشكلة شرعية بذلك، لافتاً إلى ضرورة عدم التمسك بـ"مسميات قد تستعمل في تأليب الأعداء على المجاهدين أو إجهاض جهادهم واستغلالها للحشد ضدهم"، قائلاً: "النبي لم يصر على كتابة وصفه بالرسالة بالحديبية(1)، فما دونه من أسماء أولى كالقاعدة فهي غير منزلة، وهي تتبع التكتيك الأنسب للمجاهدين، وكذلك مسمى جبهة النصرة أو غيره، إن صار عائقاً أو سبباً لاستهداف أهله، فتغييره أو التنازل عنه ليس تنازلاً عن قرآن وفك الارتباط ليس ردة عند الحاجة إليه".
بالنسبة إلى البعض، ما قاله المقدسي قد يكون مجرد رأي، لكن من يعرف تأثير هذا الرجل على الجماعات المتطرفة، يدرك أن ما تقدم به يمكن أن يكون بمثابة "فتوى" يستند إليها الجولاني، للقيام بالخطوة المنتظرة منه، والتي قد تكون مقدمة نحو خطوة أخرى منتظرة منذ أشهر، بعد أن دعا لها زعيم "القاعدة" أيمن الظوهري، أي الإعلان عن ولادة "الإمارة" في إدلب، نظراً إلى أن هذا الأمر سيكون أسهل بعد فك الإرتباط، حيث ستتشكل حكومة "إسلامية"، محمية من قوى إقليمية ودولية ترى أنها تمثل المعارضة "المعتدلة".
في المحصلة، بات لدى الجولاني الركيزة "الشرعية"، التي من الممكن أن يستند إليها، لفك الإرتباط عن "القاعدة"، ولكن هل حان موعد اللجوء إلى هذا الخيار أم أن الخطوات العملية لا تزال تحتاج إلى المزيد من التحضيرات؟
(1)في الروايات المنقولة، أنه خلال توقيع صلح الحديبية، بدأ النبي محمد يُملي الشروط، والإمام علي بن أبي طالب يكتب، فأملاه النبي: "بسم الله الرحمن الرحيم"، فقال سهيل: "أما الرحمن فوالله لا ندري ما هو ولكن اكتب باسمك اللهم"، فأمر رسول الله عليًّا فكتبها كذلك، ثم أملى: "هذا ما صالح عليه محمد رسول الله"، فقال سهيل: "لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله"، فوافق رسول الله، وقال: "والله، إني لرسول الله وإن كذبتموني، اكتب محمد بن عبد الله".