بعد أيام قليلة على "الفتوى" التي تقدم بها أبو محمد المقدسي، منظر "التيار السلفي الجهادي" في الأردن، لقيادة جبهة "النصرة" الإرهابية، للإبتعاد عن تنظيم "القاعدة"، عبر الإعلان عن فك الإرتباط بين الجانبين، في ظل الضغوط التي تُمارَس عليها من قبل أكثر من جهة إقليمية ودولية، يبدو أن هذا المسار يتصاعد على نحو غير مسبوق.
في الساعات الأخيرة، اختار المتحدث الرسمي باسم "النصرة" أبو عمار الشامي، مقالاً نُشر في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، لإعادة التأكيد على إستراتيجية الجبهة، بعد أن باتت تشعر بأنها قد تكون الهدف الثاني، في حال نجاح الحرب القائمة على تنظيم "داعش" الإرهابي، خصوصاً مع تزايد المعلومات عن قرب التوصل إلى إتفاق بين واشنطن وموسكو، ينص على توجيه ضربات لمواقعها، إلا أن الشامي كشف، بشكل غير مباشر، عن حجم المخاطر الحقيقية التي تمر بها "النصرة" في الوقت الراهن.
بالنسبة إلى "النصرة"، الولايات المتحدة تخلق "الأعذار" لإستهدافها، في حين هي لا تريد، في الوقت الحالي، تنفيذ هجمات في البلدان الغربية، فهذه "المصالح المرجوة"، بحسب تعبير المتحدث الرسمي باسمها، غائبة عن برنامج العمل بسبب أولوية الحرب السورية، بعد أن كانت على رأس قائمة أهداف "القاعدة"، لكن هذا لا يمنع عودتها بأي لحظة متى وجدت مصلحة في ذلك، فهي مؤجلة لكنها غير مستبعدة بشكل نهائي، وهذا ما يمكن فهمه من إستخدام الشامي عبارة "المرجوة"، فالجبهة تتمنى تنفيذ أعمال إرهابية، كتلك التي يقوم بها "داعش"، لكنها لا تريد "تشريع" إستهدافها من قبل التحالفات الدولية المتعددة، التي تسعى إلى القضاء على الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق، بالرغم من أنها مصنفة إرهابية بموجب قرار أممي صادر عن مجلس الأمن الدولي.
ما تقدم لا يتوقف عند الخوف من الإستهداف الغربي، بل يشمل تبرير الموقف أمام الفصائل المعارضة، التي تطالب الجبهة بشكل مكثف بفك الإرتباط عن "القاعدة"، حيث السعي إلى الإختباء بعباءة "الثورة السورية"، عبر التشديد على أن إستهدافها يعني إستهداف هذه "الثورة"، الأمر الذي يُفسر الرسالة التحذيرية التي وجهت إلى تلك الفصائل، عبر القول: "أميركا لن ترضى بعدها منكم سوى الإذعان لحل سياسي يرجح كفة (الرئيس السوري بشار) الأسد وحلفائه"، وبالتالي المطلوب عدم السماح بتمرير الإتفاق الأميركي الروسي بأي شكل من الأشكال، وهو ما يعتبر التعليق الأول، من جانب الجبهة، على التحولات الدراماتيكية التي تطغى على الحدث السوري، في وقت تزداد فيه المساعي الهادفة إلى إبعاد الفصائل التي تُصنف "معتدلة" عنها.
أمام هذا الواقع، ستكون الأوضاع مفتوحة على جملة واسعة من الخيارات، أبرزها إستكمال "النصرة" المسار السابق، عبر إعلان فك الإرتباط عن "القاعدة"، ومن ثم الذهاب نحو تشكيل "إمارة إسلامية" تكون هي المسؤولة الأساسية عنها، أو الإكتفاء فقط بالخطوة الأولى (إعلان فك الإرتباط) من دون الذهاب إلى الثانية (تشكيل الإمارة)، بالإضافة إلى إحتمال إستمرار الواقع على ما هو عليه مع إبتعاد الفصائل الأخرى عنها، نظراً إلى أن إمكانية الحفاظ على التحالفات السابقة باتت شبه مستحيلة، ما يعني وقوع الصدام مع باقي الجماعات الراغبة في الدخول بمسار الحل السياسي برعاية دولية وإقليمية.
في المحصلة، ستحمل الأيام المقبلة معها الكثير من التطورات حول واقع جبهة "النصرة" ودورها في الأحداث السورية، خصوصاً مع إزدياد التركيز الدولي والإقليمي عليها، ولكن حتى الآن لا يمكن الحسم بالخيار الذي ستذهب إليه، لكن في جميع الأحوال سيكون له تداعيات كبيرة.