من الملاحظ في الآونة الأخيرة التزايد الملحوظ في الهجمات الإرهابية لتنظيم داعش في العديد من دول العالم من مطار إسطنبول في تركيا مرورا بالهجوم في نيس في فرنسا وصولاً إلى الهجوم على قطار في ألمانيا وقبل كل ذلك الهجمات في أميركا وبلجيكا وبريطانيا، والسعودية والكويت.. الخ.
والواضح أن الإرهاب الداعشي بات يضرب خبط عشواء حيثما وجدت له خلايا نائمة فيقتل الأبرياء ويدب الرعب في وسط الناس ويهز الاستقرار والأمن ويزيد في غلواء العنصرية والتطرف القومي الذي يغذي بدوره داعش، انطلاقا من أن تنامي التطرف والكراهية العنصرية في فرنسا وألمانيا وأميركا وبريطانيا وغيرها من الدول الغربية التي لجأ إليها عشرات الآلاف من اللاجئين هربا من الحرب في العراق وسوريا وليبيا، إنما يوفر التربة الخصبة لتعزيز داعش.
واللافت أن هذا الانتشار لخطر تنظيم داعش الإرهابي وتمدده في أنحاء مختلفة من دول العالم، يتزامن مع تقلصه المستمر في العراق وسوريا ومصر وليبيا، مما يؤشر إلى أن داعش لم يعد وجوده محصورا بدولة، وأنه بات يملك القدرة على التكيف مع الوضع الجديد وتوجيه ضربات في جميع الدول على الرغم مما يتعرض له من هزائم في مناطق تواجده المركزية.
ولأن داعش أصبح كما هو واضح تنظيما دوليا وخطره يتهدد العالم أجمع فإن مواجهته باتت تستدعي تعاونا وتنسيقا دوليا انطلاقا من أن هذا الخطر داهم وهو لا يميز بين دولة وأخرى، ولا بين مواطن وآخر فهو يضرب الجميع دون تمييز كما تأكد في نيس حيث الضحايا كانوا مواطنين من دول عديدة جاؤوا للسياحة في موسم الصيف.
غير أن هذا التعاون والتنسيق يحتاج، على نحو ملح وعاجل، إلى وضع استراتيجية دولية لمحاربة خطر داعش بكل الوسائل للقضاء عليه، تشمل الجوانب الأمنية والثقافية والإعلامية والمالية والاقتصادية والاجتماعية، فمن دون وضع خطة تتناول كل هذه المسائل وتتضمن اتخاذ إجراءات حازمة على كل هذه الصعد سيكون من الصعب القضاء على هذا الخطر ومنع تناميه وانتشاره، وطالما ظل هناك قهر وشعور بالاضطهاد والظلم والازدواجية في تطبيق القوانين الدولية وتحقيق العدالة الإنسانية وتجاهل لمعالجة أسباب الحرمان والقهر والظلم فإن الإرهاب سيبقى يجد في كل هذه العوامل بيئة لنموه واستمراره وبالتالي تجنيد الشباب المهمش والساخط على هذه السياسات للقيام بعمليات إرهابية في المدن العالمية.
وفي هذا السياق تساءلت صحيفة الفاينانشيال تايمز البريطانية: لماذا استهدفت فرنسا بشكل مركز في الآونة الأخيرة من طرف الجماعات المسلحة؟ لتصل في تقرير كتبه محررها سام جونز إلى أن «فرنسا هي هدف رئيسي للجهاديين نظرا لأن المجتمع الفرنسي سهل الاختراق من طرف تلك الجماعات، كما أن عدد الفرنسيين المنضمين تحت راية ما يعرف بالدولة الإسلامية بلغ 1700 جهادي، أي أكثر بكثير من المجندين من دول أخرى مثل ألمانيا وبريطانيا».
إذن فالإرهاب لا يمكن مواجهته فقط بالوسائل الأمنية على أهميتها لا سيما بعد أن بات الإرهابيون، على إثر هجوم نيس بواسطة الدهس بشاحنة، لا يحتاجون إلى السلاح الحربي أو المتفجرات والتدرب عليها، لإيقاع أكبر عدد من الضحايا من المدنيين، وهذا ما حصل في هجوم نيس، فهذا العدد الكبير من الضحايا لم يكن بالإمكان وقوعه بواسطة السلاح الحربي، خصوصا أنه يصعب اكتشاف أو منع إرهابي قرر مهاجمة تجمع للمواطنين بواسطة شاحنة.
من هنا فإن مواجهة هذا الإرهاب الذي استفحل وبات شديد الخطورة تستدعي أيضاً العمل على تجفيف منابعه وحرمانه من البيئة الحاضنة له والتي يستقطب منها الشباب العاطلون عن العمل أو الذين يعانون من البؤس، وكذلك التصدي فكريا وثقافيا وسياسيا لكل الأفكار المتطرفة إن كانت على المستوى الديني أو المستوى العنصري.
وما لم تجر المسارعة إلى التوصل لمثل هذه الاستراتيجية ووضعها موضع التنفيذ، فإن المتوقع هو أن يؤدي انتشار مثل هذه الهجمات الإرهابية إلى تعزيز خطاب أحزاب اليمين المتطرف في الدول الأوروبية لا سيما في الدول التي استهدفها الإرهاب، وهذه الأحزاب التي ارتفعت شعبيتها في الآونة الأخيرة على خلفية تفجر الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وتوافد أعداد كبيرة من اللاجئين من دول الشرق الأوسط وإفريقيا، سارعت مباشرة إلى توظيف الهجمات الأخيرة واستخدامها مادة دسمة للتعبئة والتحريض ضد المهاجرين وتحميل مسؤولية ما حصل لسياسات الجمهوريين حيث حمل حزب اليمين المتطرف برئاسة ماري لو بان الجمهوريين المسؤولية «عن الفوضى التي تشهدها البلاد».
ولهذا فقد حذرت الصحف الألمانية من أن تهميش المسلمين يجعلهم لعبة بيد «داعش»، وقالت إن ربط تلك الأعمال بالمسلمين واللاجئين المتواجدين في الدول الأوروبية، سيجعل منهم فريسة سهلة في حبائل الإرهابيين.
لكن هذا التحذير لم يلحظ أيضا ما أقدم عليه اليمينيون المتطرفون في ألمانيا من استغلال مخاوف البعض في ألمانيا وعدد من الدول الأوروبية من عدم معرفتهم للإسلام والمسلمين وخلطهم بالتطرف الإسلامي، خاصة بعد الجرائم البشعة التي ارتكبها تنظيم داعش في المناطق التي سيطر عليها في العراق وسوريا، للدعوة إلى مظاهرات مناهضة للإسلام. في مدينة هانوفر، شمالي ألمانيا، الأمر الذي يصب بكل تأكيد في خدمة داعش الذي وظف ذلك بالإقدام على تنفيذ العديد من الهجمات الإرهابية في ألمانيا كان آخرها الهجوم في أحد القطارات.
انطلاقا مما تقدم فإن أهمية التعاون الدولي وفق استراتيجية شاملة لمحاربة الإرهاب يتأكد ضرورتها يوما بعد يوم باعتبارها هي السبيل لتخليص جميع دول وشعوب العالم من خطر الإرهاب والتطرف بكل أنواعهما.