نموذجٌ آخر للعيش المشترك تجسّده بلدة زوطر الغربية في قضاء النبطية، مع افتتاح وتدشين كنيسة ودير السيدة الواقعين على تلة عالية شمال البلدة، في منطقة الصوان النائية والبعيدة عن المنازل السكنية.
هنا، كما الحال في العديد من المناطق اللبنانية، الكنيسة تعانق الجامع، ليؤكدا معًا أنّ بيوت الله هي لإعلاء كلمة الحق، ولبثّ روح المحبّة بين اللبنانيين، تعزيزًا لصيغة العيش المشترك الاسلامي – المسيحي، الذي هو ثروة لبنان الحقيقية، كما أسماه الإمام المغيَّب السيد موسى الصدر.
وفي هذا السياق، يؤكد رئيس بلدية زوطر الغربية حسن عز الدين أنّ البلدة كانت في الماضي ولا تزال وستبقى في المستقبل بلدة عيش مشترك، لافتاً إلى أنّ في البلدة مبنى قديمًا يسكنه آل الزهار، وهي عائلة مالكة وكان لديها دير كبير، وكان معهم الخوري الراحل منصور عواد وهو زوج السيدة زهية الزهار، وهم من الطائفة المارونية الكريمة، وبقوا في البلدة حتى منتصف الثمانينات قبل أن يضطروا للهجرة نحو بيروت، خصوصًا بعد تعرّض منزلهم الأثري الكبير للقصف الإسرائيلي عدّة مرّات إلى أن دمّره الطيرا ن الإسرائيلي خلال حرب تموز 2006.
ويشير عز الدين إلى أنّ قراراً اتُخِذ بعد العام 2006 بإعادة بناء كنيسة جديدة على أرضٍ تعود لجمعية المرسلين المسيحيين التي تتبع للبطريركية المارونية على أرض تقع في شمال زوطر الغربية، وتحديداً في منطقة تدعى الصوان قريبة من بركة البلدة والطريق العامة، ولها اليوم مدخلان من البركة مباشرةً، كما تمّ استحداث طريق من الصوان، وقامت البلدية بتأمين وتسهيل كلّ المعاملات الإدارية لشق الطريق، متمنياً على وزارة الأشغال أن تقوم بتعبيدها في أسرع وقت ممكن، خصوصاً أنّها طريق حيوية تنعش الأراضي المحيطة بالكنيسة والدير والجوار.
وبحسب عز الدين، فإنّ الكنيسة مؤلفة من ثلاثة طوابق، طابقان هما عبارة عن صرح جامعي سيطلع عليه اسم جامعة السيدة، في حين أطلق على الكنيسة اسم كنيسة السيدة، مشيرا الى ان بناء الكنيسة والحديقة والتشجير بات مجهزا ليوم الافتتاح، "وقد قمنا بتمديد الكهرباء اليها بسعي وجهود من رئيس المجلس النيابي نبيه بري، كما تلقينا في البلدية تعليمات منه ومن قيادة حركة أمل بان نلبي كل الطلبات التي تحتاجها الكنيسة والدير".
ورداً على سؤال، يشير رئيس بلدية زوطر الغربية إلى أنّ القرار باعادة بناء الدير جاء بعدما تبرعت السيدة زهية الزهار بحصتها من الارض في ساحة البلدة لبناء ناد حسيني، فاتخذ قرار بناء الكنيسة على عقار مستقلّ شمال البلدة، علمًا أنّ تمويله من قطر، مقدّراً الكلفة الإجمالية لبناء كنيسة ودير السيدة وتجهيزهما بأنّها فاقت المليون دولار أميركي، مشيرا الى ان جمعية المرسلين المسيحيين قدمت عقارا في زوطر الغربية قرب الجبانة لوقف البلدة كمدفن للاهالي.
ويلفت الى ان البلدة غنية بالمقابر القديمة ولها عدة مداخل "خشاخيش"، وما زالت موجودة، "ونحافظ عليها لانها مدافن للمسيحيين الذين كانوا هنا، كما ان الجمعية المذكورة تنازلت لنا لشق طريق من البلدة الى نهر الليطاني"، مؤكدا "اننا في البلدية وفي البلدة وفي حركة أمل جاهزون للمساعدة في الاسراع بفتح الدير واعادة الرعية الى زوطر الغربية لان وجود الكنيسة والدير في البلدة هو عبارة عن عينة عن العيش المشترك بين الطائفة الشيعية وبين الطائفة المارونية".
"النشرة" اتصلت أيضاً بنائب رئيس جمعية المرسلين المسيحيين الأب إيلي ماضي الذي أكد الانتهاء من بناء الدير، معتبراً أنّ الأمر يأتي بالدرجة الأولى لتعزيز العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين في جنوب لبنان.
وفي الإطار نفسه، أجمع العديد من اهالي وعائلات البلدة كبارا وصغارا وشبابا ممن التقينا بهم في ساحة زوطر الغربية ان الدير في بلدتهم يشدهم الى الماضي وحنينه يوم كانت عائلة مسيحية تقطن بينهم، لكنّها هجرتها الحرب الاسرائيلية العدوانية، مؤكدين ان الكنيسة دلالة على اهمية العيش المشترك الذي يؤمنون به بوصفه الثروة الحقيقية للبنان المعافى وللدولة العادلة والقادرة التي تؤمن مظلة امان حقيقية لابنائها.
هذه هي الصورة التي يريد اللبنانيون تكريسها عن وطنهم لبنان، بلد العيش المشترك الإسلامي المسيحي، بلد التنوّع الطائفي والمذهبي بمعناه الإيجابي، بلد الأخوة والتعايش والمحبة والسلام، صورة يتمنّى كثيرون أن تكرَّس في الأقوال والأفعال كذلك على امتداد الوطن، من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه...