خلال عطلة الأسبوع المنصرم، تأكّدت كلّ المعلومات السابقة عن توجه جبهة "النصرة" الإرهابية، بقيادة أبو محمد الجولاني، إلى فك "الإرتباط" مع تنظيم "القاعدة"، بقيادة أيمن الظواهري، بعد أن حصلت على السّنَد "الشرعي" اللازم لذلك من خلال الفتوى التي أصدرها مُنظّر "التيار السلفي الجهادي" في الأردن أبو محمد المقدسي.
هذا القرار الحاسم، الذي جاء نتيجة مشاورات طويلة، تم الكشف عنه من خلال تسريبات عبر حسابات مرتبطة بـ"النصرة" على مواقع التواصل الإجتماعي، حيث الحديث عن خروج الجولاني في الساعات القليلة المقبلة للإعلان عنه رسمياً، في ظلّ ضغوط كبيرة كانت تمارس على الجبهة من بعض الجهات الإقليمية، بالتزامن مع الحديث عن إتفاق أميركي-روسي، ينص على إستهداف مواقعها مقابل تحييد مواقع باقي الفصائل الأخرى التي تُصنف "معتدلة"، ولكن ماذا عن التداعيات المرتقبة؟
في حال صحّت هذه التسريبات، ستكون "النصرة" أمام الإمتحان الأصعب على الإطلاق، بعد ذلك الذي مرت فيه عند الخلاف مع أمير تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي حول "الزعامة" على الساحة السورية، فالبغدادي أراد في تلك المرحلة حل الجبهة والإعلان عن "دولة الإسلام في العراق والشام"، لكن الجولاني تجاوز هذا الأمر عبر الإرتماء في حضن الظواهري، الذي سارع إلى تبني وجهة نظر "النصرة"، ما أدى إلى "الطلاق" مع "داعش" بشكل نهائي وإندلاع المواجهات بين الجانبين، لكن اليوم الجولاني يريد الهروب من الإستهداف الأميركي-الروسي عبر الإعلان عن "الإنفصال" عن "القاعدة".
ما تقدّم يعني أنّ "النصرة" قد تكون على موعد مع أزمة داخلية، عنوانها رفض قسم من عناصرها هذا القرار، بغضّ النظر عن عددهم ومواقعهم القيادية، الأمر الذي سيتوقف على رأي الظواهري في هذا التحول، فهل سيوافق أو يغض النظر أو يعارض؟ مع العلم أن أمير "القاعدة" كان قد تحدث عن هذا الموضوع سابقاً، واضعاً الكرة في ملعب الجبهة، عبر القول: "ما يختارونه هو اختيارنا"، لكن الظروف اليوم تبدلت، وهو يسعى إلى خوض معركة على "الزعامة" و"الشرعية" مع "داعش" على مستوى العالم.
وفي حين من المتوقع أن تكون أغلب الفصائل السورية المعارضة، لا سيما الحليفة مع الجبهة كـ"أحرار الشام"، من المرحّبين بهذا القرار بحال صدوره، بالإضافة إلى بعض القوى الإقليمية الداعمة لها، تُطرح العديد من علامات الإستفهام حول موقف الولايات المتحدة منه، خصوصاً أنها تصنف "النصرة" منظمة إرهابية، فهل يكفي الإعلان عن فك "الإرتباط" كي تبدل موقفها منها؟ وماذا عن القرارات الأممية الصادرة في هذا المجال؟ وهل يلغي هذا كل ما قامت به على مدى السنوات السابقة من الحرب السورية؟ وهل يعني ذلك أن الإتفاق مع روسيا أصبح من الماضي؟
الإجابة عن كل هذه الأسئلة، ستكون كفيلة بمعرفة الواقع الذي ستكون عليه "النصرة" في المرحلة المقبلة، لا سيما لناحية الدور السياسي الذي من الممكن أن تقوم به بعد الإبتعاد عن "القاعدة"، نظراً إلى أن المعلومات المتوفرة، في الوقت الراهن، تشير إلى أنها قد تعلن عن ولادة هيئة جديدة، تجمع فصائل أخرى كانت تعارض في السابق التوحد معها، ربما تكون على شكل حكومة إسلامية في المناطق التي تسيطر عليها، خصوصاً في إدلب، بعد "شرعنة" التعاون وتقديم الدعم لها على المستوى الإعلامي.
حتى ذلك الوقت، سيكون على الجميع إنتظار الموقف الرسمي الذي سيصدر عن الجبهة، مع العلم أنها كانت قد مهّدت له على لسان المتحدث باسمها أبو عمار الشامي، من خلال تأكيده عدم الرغبة في توجيه ضربات ضد الولايات المتحدة والبلدان الغربيّة، بالرغم من قوله أن هكذا أعمال "مرجوّة"، فهل ينتهي كل شيء بمجرد بيان إعلامي ربما يكون الهدف منه البقاء بعيداً عن دائرة الإستهداف؟
في المحصّلة، هذه هي التوجهات المبدئية لفرع "القاعدة" على الساحة السورية، التي تسعى إلى التحول من منظمة إرهابية إلى فصيل معتدل يحظى برعاية إقليمية دولية، بعد أيام قليلة على ذبح "معتدلين" طفلاً في مدينة حلب، فهل يحصل كل ذلك من دون أن يسأل أحد عن المعتقدات التي تحملها "النصرة"؟ وهل كانت المشكلة معها فقط تنظيمية لا أكثر؟