تثبت الأحداث الأخيرة على مستوى العالم، أن البشرية دخلت مرحلة من الجنون على المستويات كافة. لم يعد هناك من منطقة آمنة على الإطلاق، في أي مكان قد تقع عملية إرهابيّة تودي بحياة العشرات، في حين تفشل الإجراءات الأمنية المتخذة من أقوى أجهزة الإستخبارات في وضع حد لها، بالتزامن مع إرتفاع مستوى التطرّف في المجتمعات، سواء كانت في الشرق أم بالغرب. فالخطر يدفع الجميع إلى البحث عن أي وسيلة نجاة مهما كان الثمن.
إنطلاقاً من هذا الواقع، يصبح ترشيح الحزب "الجمهوري" الأميركي الملياردير دونالد ترامب إلى الرئاسة أمراً طبيعياً، كذلك وصول عمدة لندن السابق بوريس جونسون إلى وزارة الخارجية البريطانية. فالتطرف يقود حتماً إلى تطرّف مقابل، والمؤشرات كانت قد ظهرت مسبقاً مع إرتفاع نسبة تأييد أحزاب اليمين المتطرف في البلدان الأوروبية، بسبب إعتمادها خطاباً متشدداً تجاه قضيّة المهاجرين، من دون أن تظهر أي معالم لحلٍّ ينقذ العالم من هذا الواقع.
بعيداً عن كل النظريات المسبقة، حول أسباب بروز ظاهرة نمو الجماعات المتطرفة في الوقت الراهن، يجب الإعتراف أن هناك أزمة عالمية، تتطلب تضافر الجهود لوضع حد لها، كي لا تبقى عمليات القتل أمراً عادياً يمر مرور الكرام في وسائل الإعلام، فبعد أن أصبحت الأنباء عن سقوط ضحايا في سوريا والعراق واليمن وليبيا، بشكل شبه يومي وروتينية، تمتد الحالة اليوم لتشمل الولايات المتحدة والدول الأوروبية، بالإضافة إلى بلدان أخرى، فهي لم تعد تشكل صدمة بل متوقعة في أي لحظة، بسبب تكرارها على نحو غير مسبوق خلال فترة زمنية قصيرة.
الحديث عن أن هذه العمليات تقع في سياق لعبة الإستثمار بالإرهاب، لا يجب أن يكون مبرراً للإبتهاج بها، كما حصل خلال إعتداءات الحادي عشر من أيلول، فالتداعيات ستكون خطيرة جداً في المرحلة المقبلة، حتى ولو نجحت الجهود القائمة في القضاء على المنظمات الإرهابيّة الناشطة حالياً، فالمسألة هنا أكبر من كلام عن دماء رخيصة وأخرى مرتفعة الثمن، كما يصوّر البعض، كما أنها لا يجب أن تكون أساساً لتحميل الغرب مسؤوليّة ما يحصل في الشرق، فخطاب الكراهية المتبادل لن يساعد بالمعالجة بل سيزيد الأمور تعقيداً.
في هذا السياق، يبرز التنافس في الإرهاب بين كل من تنظيم "داعش" و"القاعدة"، حيث يسعى الجانبان إلى تنفيذ أكبر عدد ممكن من العمليات لجذب المزيد من المؤيّدين والمتعاطفين، بعد أن وجدا أن هذا الأمر يساهم في رفع أسهمهما، في البيئة التي من المفترض أن تكون حاضنة لهما، وهو ما يتأكد من خلال الدعوة التي وجهها زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري لتنفيذ عملية خطف غربيين لمبادلتهم بمعتقلين، في الأيام الأخيرة، بعد تلك التي كان قد توجه بها الناطق باسم "داعش" أبو محمد العدناني، قبل أيام من شهر رمضان، لتنفيذ عمليات في البلدان الغربية، ولكن هل تكفي محاربتهما على المستوى العسكري لإنهاء هذه الظاهرة؟
التنافس بين المنظمات الإرهابية على مستوى العالم، يعني أن من المنتظر حصول المزيد من الهجمات في المستقبل، ربما تكون أكثر دموية من السابقة، وبالتالي ردّات فعل عشوائية عليها، بدأت تظهر في بعض الدول، وستكون أكبر، وربما تكون أخطر منها لأنها ستوسع رقعة المواجهة، حيث لن تجد فئات واسعة نفسها إلا في أحضان "داعش" و"القاعدة"، عندما تجد أنها توضع في خانتهما من دون أن يكون لها ناقة أو جمل في ما يحدث، مع العلم أنها كانت الهدف الأول لهذه المنظمات، عندما كانت تعمل على السيطرة على مساحات واسعة في الشرق الأوسط.
في المحصلة، الحديث عن إنتشار الإرهاب لم يعد محصوراً برقعة جغرافية معيّنة، والمواجهة لم تعد مسؤولية فئات معينة دون غيرها، فهو بات ظاهرة عالمية لن يكون من السهل وضع حد لها.