اذا كانت الولايات المتحدة الأميركية جادة فعلاً في عدم التمييز بين "جبهة النصرة" وشكلها الجديد "فتح الشام"، فلماذا أقدم "ابو محمد الجولاني" زعيم الجبهة على تلك الخطوة بعد إذن "شيخه" أيمن الظواهري؟ هل هي مجرد محاولة التفافية ام تعديل للخطة الوجودية؟
أسئلة لم تجد اجوبة رسمية بعد، لكن يبدو أن "الجولاني" يراهن على التفلت من القرار الأميركي بإستهداف "النصرة" بعد نصيحة عربية أتته من إحدى القوى الداعمة والراعية له.
في الشكل يبدو الأمر بسيطاً، وفي الجوهر أراد "الجولاني" طمأنة الغرب بأن أولوية "فتح الشام" سوريا لا غير. هو عبّر عن ذلك، مستعيناً ضمناً بتجربته السابقة في الإنشقاق عن "ابو بكر البغدادي" الذي طلب منه يوماً ضم سوريا الى العراق، فرفض "الجولاني" وأسس "النصرة" فيما تزعم "البغدادي" تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش).
لا يمكن فصل "فتح الشام" عن تنظيم "القاعدة"، لسبب جوهري واضح يختصره إذن أيمن الظواهري لزعيم "النصرة" والسماح له بتغيير اسم الجبهة وإعلان التركيز على "سورنة" حركته، ما يعني الارتباط العقائدي الكامل بين "الجولاني" والظواهري، سواء في الجبهة او "فتح الشام" التي لم يكن ليقدم على اجراء التبديلات فيها لولا الإذن من "شيخه".
بالأساس لا يمكن للجولاني فك الارتباط عن "القاعدة".
أولاً: لعدم قدرته على مواجهة "داعش" منفرداً، عندها سيتخذ "البغدادي" قرار اجتثاث جماعة "الجولاني" من دون أي رادع.
ثانياً: لا يمكن للجولاني الاستغناء عن المقاتلين الأشداء الذين يتواجدون في سوريا تحت أمرة "النصرة" وهم مكلفون من قبل تنظيم "القاعدة" بناء على أوامر الظواهري، مثل "الايغور" و"القوقازيين" و"التركستانيين" وغيرهم، الذين يشكلون العصب الحقيقي لمقاتلي "الجولاني".
لا يستطيع زعيم "فتح الشام" الاستغناء عن الأجانب وتكرار تجربة "اتفاق دايتون" الذي خرج بموجبه المقاتلون الأجانب من البوسنة عام 1995 بعد حرب البوسنة والهرسك. لكنه سيعتمد على استراتيجية الإيحاء بالبعد السوري للقضية، مستعيناً بحملات إعلامية لتلميع مجموعته دولياً.
الارتباط التام بين "الجولاني" و"القاعدة" عكسته تغريدات منظري التنظيم الكبار، فقال الأردني "أبو محمد المقدسي": "أن مسمى النصرة أو غيره ان صار عائقاً أو سبباً لاستهداف أهله، فتغييره أو التنازل عنه ليس تنازلاً عن قرآن، وفك الارتباط ليس ردة عند الحاجة إليه".
كما حاول آخرون التأكيد "أن هناك فرقاً ما بين نقض البغدادي بيعته للظواهري، وما بين اجتهاد يتفق عليه الجانبان".
كل من انتقد قرار الانفصال تعرض لهجوم من قبل منظري "القاعدة"، إلى حد قال فيه يوسف العرجاني الملقب بـ"ابو حسن الكويتي": "إن فك الارتباط يمنع ذريعة قصف التحالف ويمهّد للتوحد والاعتصام ويغربل الغلاة والمتحزبة".
ولخّص القيادي المصري في التنظيم شريف هزاع المشهد بتغريدته: "فك الارتباط لابأس به اذا كان بالاتفاق مع الإمارة، وإذا كان غير ذلك فهو نقض لبيعة... لا يجوز".
كل تغريدات القياديين في تنظيم "القاعدة" تؤكد بقاء "فتح الشام" على خط "القاعدة". هذا يشكل إثباتاً للروس وحلفائهم بأن لا شيء تغير بالنسبة لضمّ "جبهة النصرة" الى الأهداف العسكرية في سوريا.
قد يكون التقدم العسكري الحاصل في حلب عاملاً مسانداً لوجهة النظر الروسية. لن يستطيع الأميركيون التفلت من واجب ضرب "فتح الشام".
العامل الوحيد الذي يحاول فرضه رعاة هذا الفصيل (جبهة النصرة) هو إشراكه بالوضعية الجديدة لسوريا عن الطريق العسكري او التسويات. يسبق ذلك تشريع تمويل وتسليح هذا الفصيل من قبل قوى وعواصم عربية.
يسقط كل هذا التخطيط في حال تم ادراج "فتح الشام" سريعا على ذات اللائحة التي ضمت "داعش" و"النصرة" كمنظمات ارهابية.
اطلالة "الجولاني" في شكلها ستُحرج الغرب امام شعوبه ان لم يُضف الاسم الجديد الى اللائحة. اننا في زمن مختلف صارت فيه "الفوبيا" من التنظيمات الاسلامية كبيرة وعابرة للقارات. اذا لم تحصل الإضافة وتُترجم ميدانياً ستتمدد الأسئلة عن العلاقة الدولية بـ"فتح الشام": من خطط للتغيير؟ ومن أقنع الظواهري و"الجولاني" به بعد معارضة شديدة؟ هل يقتصر الأمر على عاصمة عربية؟ أم هناك إشارة دولية ما عبر قطر؟ وحدها حركة الميدان السوري في الأسابيع المقبلة ستعطي الاجوبة.