اعتاد الرأي العام اللبناني على سماع التقارير السلبية القادمة من طرابلس، فتلك المدينة قد رُبطت بالفقر والتطرف والمعارك المسلحة بين التبانة وجبل محسن. ولكن هذه الصورة لا تعبر عن كل الحقيقة، خصوصا عندما تشاهد أن "معارك" من نوع آخر قد احتدمت بين الطرابلسيين بعد ان نجح عمر السيد بإيقاظ الضمير لتحفيز اهل المدينة. انها منافسة على فعل الخير وتقديم المساعدات للمحتاجين والمرضى.
"بدأت وحيدا في محاولة تقديم المساعدة، فتحمس آخرون، حتى أصبحوا في منافسة على فعل الخير"، يقول عمر السيد، الذي انشأ مجموعتين على مواقع التواصل الاجتماعي هدفهما تقديم المساعدات بمختلف انواعها، الاولى أسميت "لوبي الشمال" والثانية "فاعل خير". ويضيف في حديث لـ"النشرة": "بدأ التعاون بين المجموعتين، فقدمت الاولى مثلا مساعدات في شهر رمضان قمنا بتوزيعها على المحتاجين، وقدمت الثانية "أدوية" للمرضى، وقدمت ما يلزم لإجراء عمليات لأطفال ومرضى ليس لديهم القدرة على تحمل كلفة العملية".
ويشير السيد الى أن "أهمية مثل هذه المجموعات يكمن في كونها حلقة وصل بين الدولة والسياسيين والمواطنين"، ويقول: "أنا أعرض العملية الجراحية مثلا على وزارة الصحة وانال موافقتها، وبالتالي يتم تأمين 85 بالمئة من كلفة العملية، فأقوم بتأمين ما تبقى من أحد سياسيي طرابلس"، ويلفت النظر الى ان السياسيين يتجاوبون بشكل سريع وعاجل وأحيانا يتنافسون فيما بينهم على حالات معينة. ويضيف: "نحن نعلم ان السياسي يحاول الاستفادة من كل ما يقوم به في ميدان السياسة، ولكننا نسعى ان لا نرهن المحتاجين للسياسيين".
تمكنت مجموعة "فاعل خير" من تقديم الكثير من المساعدات للناس على قاعدة "أعطه صنارة ولا تعطه كل يوم سمكة". ويقول السيد: "كان أحد الحدادين بلا عمل، وهو رب عائلة، فوجدنا ان أنسب حل هو شراء "معدات حدادة" له كي يعمل، وهذا ما حصل"، ويلفت الى ان الحداد أرسل صورة عبر الهاتف لأول مبلغ يحصله من عمله وكان اربعين الف ليرة، "وهذا ما يجعلنا نشعر بالفخر جراء من نقوم به"، كذلك تم شراء عدة "بيع قهوة" لأحد العاطلين عن العمل، وغيرها من المساعدات المشابهة.
لا يكتفي عمر ومن معه بتقديم المساعدات المادية او العينية فحسب، فالشاب المعروف بطرابلس يحاول اليوم تأمين وظائف لمن لا يملك وظيفة، وخصوصا من فئة الشباب. وفي هذا السياق يقول السيد: "أصبحنا صلة الوصل بين عارضي الوظيفة وطالبيها، فبعد أن بدأ الامر بشكل بسيط على صفحتي على مواقع التواصل الاجتماعي، توسّع ليصبح عبر صفحة خاصة اسمها توظيف"، مشيرا الى ان هذه الصفحة تضم "العرض والطلب" وفيها يتم نشر السير الذاتية لطالبي الوظيفة. ويكشف عمر عن مبادرة قاموا بها لتأمين وظائف للبنانيين الذين يعيشون في المملكة العربية السعودية، مضيفا: "نتواصل مع الجالية اللبنانية بالسعودية ونسعى لتأمين عمل لمن فقد عمله من اللبنانيين هناك لنجعله يتابع حياته بشكل طبيعي".
كثيرة هي الحالات الشائكة التي وجدت "طريق الحل" عبر هؤلاء الشبان، ولكن لعل أكثر الحالات تأثيرا في وجدان عمر السيد هي حالة الاطفال الاربعة الذين حرقوا داخل منزلهم بعد ان خرجت امهم الى السوق. يقول عمر: "علمت ان طفلة تعاني من حروق خطرة وبحاجة ماسة للمساعدة، فتواصلت مع وزير الصحة وائل ابو فاعور الذي تبنى الحالة بشكل عاجل، ولكن المفاجأة كانت عندما اكتشفنا ان أشقاء الطفلة اصيبوا بنفس الحادث وهم ثلاثة، فتواصلت مجددا مع الوزير الذي تبنى حالة الاطفال الاربعة وتم انقاذهم".
وأخيرا، يحذر عمر من منتحلي الصفة الذين يحاولون جمع المال لغايات مشبوهة، ويؤكد ان التواصل يجب ان يكون مع الاشخاص الموثوقين لأنهم على صلة مباشرة مع الحالات المنوي مساعدتها.
بيوت شبه مهدمة تم ترميمها، شراء سيارة "سرفيس" لتعيل عائلة بأكملها، تأمين أدوية، وغيرها من الأمور التي يتنافس عليها أصحاب الايادي البيضاء في طرابلس اليوم. فشباب المدينة يدركون ان التقاتل على المحاور يجلب الموت والدمار لهم ولمدينتهم، بينما يجلب فعل الخير لهم "الحياة"، وهذا هدفهم الاول والاخير.