تشكل خلوات البياضة الشريف المرجعية العليا لطائفة الموحدين الدروز في لبنان وسوريا الاردن وفلسطين واينما وجدوا، وهي تقع على مرتفع عند الطرف الجنوبي لبلدة حاصبيا يطل على مجرى الحاصباني ويحاكي مرتفعات حرمون شرقا وجبل الضهر غربا، وتغطيه اشجار السنديان والملول والزيتون. ويتوسط المرتفع الخلوة الاساسية التي يلتقي فيها الجميع اثناء الصلاة، وتحيط بها العديد من الخلوات، بعضها إما وقف عام او خاص لبعض العائلات او لمناطق اخرى مثل خلوة جبل لبنان وجبل العرب وعالية والمقرة وغيرها. وجميع هذه الخلوات مخصصة للنسك والعبادة وطاعة الله.
يعود تاريخ خلوات البياضة الى ما قبل الاربعماية عام والمؤسس الاول لهذه الخلوات هو الشيخ المرحوم سيف الدين شعيب. اكمل البناء من بعده الشيخ المرحوم جمال الدين الحمرا، وبعد انتشار المساحات العمرانية في محيط البياضة، وحفاضا على حرمها صدر قرار جمهوري في العام 2003 يحمل الرقم 9525 يمنع بموجبه البناء في محيط الخلوات ضمن دائرة لا يقل قطرها عن الالف متر.
المسلك العرفاني
يصف كبير مشايخ خلوات البياضة الشيخ فندي جمال الدين شجاع، خلوات البياضة بالمدرسة الرائدة في المسلك العرفاني التوحيدي حيث استمرت الخلوات ولعهود خلت باستقبال الزهاد والعباد بصمت وتواضع مع الحرص والتشدد في دقة المسلك والارتقاء المستمر في النهج التأملي العقلاني وبمقدار ما يكتسب الطالب اي –الخلواتي- من العلوم والمعارف بقدر ما يرتقي مسلكا ومعرفة وزهدا وورعا حيث ان مذهب الموحدين المسلمين الدروز هو مذهب زهدي تاملي عقلاني وغير تبشيري.
الشيخ شجاع يؤكد ان خلوات البياضة دورها رعوي توجيهي ارشادي لا دخل لها في تفاصيل الحياة السياسية العامة الا الدعوة والحث على المحبة والتسامح وفعل الخير ومساعدة المحتاج والتوجه للصالح العام.
ويلفت الشيخ شجاع الى ان خلوات البياضة باتت مقصدا للزوار من مختلف المذاهب والطوائف والمؤسسات الاجتماعية والمدنية والاهلية من كافة المناطق يؤمونها بهدف التبارك والتعرف على العادات والتقاليد والمناهج المتبعة حيث ان السلوك الادبي والديني والارتقاء المعرفي هو الاساس في النشاط الخلواتي كما ان الصلاة في الخلوات تقام في مواعيدها ويشارك فيها الحاضرون من ابناء الطائفة الدرزية فقط ومن الذين استوفوا شروطا معينة تؤهلهم القيام بهذه الفرائض التي لا يمكن ولا يجوز التفريط بها.
وعن علاقة خلوات البياضة بقانون تنظيم الاوقاف والقضاء المذهبي الدرزي في لبنان يشير الشيخ شجاع الى ان هذا القانون استثنى منذ صدوره في العام 1962 خلوات البياضة من احكامه والعلاقة مع مشيخة العقل علاقة معنوية بحيث لم يكن لها قديما وحاضرا اية سلطة مادية بل يقتصر الامر على علاقة معنوية محكومة بالاحترام والتقدير المتبادلين.
مشايخ الوحدة والثورة
كان لمشايخ خلوات البياضة خلال الاحداث التي عصفت بلبنان والمنطقة دورا اساسيا وهاما باتجاه تعزيز الالفة والمحبة واللحمة بين الناس وفقا لما يفرضه الدين الحنيف. ويقول الشيخ شجاع ان مشايخ خلوات البياضة يعتبرون ان السلم الاهلي والعيش المشترك ومصالحة الجبل التي رعاها البطريرك السابق نصرالله صفير ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط هي من المسلمات الرئيسية التي لا يجوز الانتقاص منها او الافتتات، عليها وهي من الثوابت الاخلاقية والوطنية والاجتماعية والدينية لطائفة الموحدين الدروز.
واضافة الى هذا المسلك الخاص فقد تعاطت خلوات البياضة مع الاحداث الوطنية والقومية بمستوى عال من المسؤولية وشارك مشايخها في الثورة على الاتراك، ورفضوا السخرة والاجباري وضريبة الشاشية في تلك الحقبة. وابان الثورة السورية الكبرى كان لمشايخ البياضة شرف المشاركة في قيادة الثورة ضد الاستعمار الفرنسي بقوة وببسالة، وعندما احتل قائد الحملة الفرنسية انذاك الكولونيل – كليمان غرانكور - بلدة حاصبيا اقدم على جرف خلوات البياضة انتقاما.
تبقى الاشارة الى انه واثناء الاحتلال الاسرائيلي لحاصبيا والجنوب في مطلع الثمينينات كان للعديد من مشايخ حاصبيا والبياضة دور طليعي في مواجهة الاحتلال واعوانه، وكان الشيخ شجاع سباقا في اصدار حرمه الشهير على كل من يقتل اثناء خدمته مع الاسرائيليين او جيش العميل انطوان لحد بحيث لا يجوز صلاته. كما ان اهالي حاصبيا ومنطقتها احتضنوا الثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها وصمدوا بوجه الاعتداءات الاسرائيلية وسقط لهم العشرات من الشهداء والجرحى.
تعتبر خلوات البياضة معلما دينيا له مكانته الخاصة في جنوب لبنان، ولكن "الاضاءة" عليه لا تزال خافتة، وبالتالي يجب العمل على الاستفادة من هذا الصرح التاريخي القادر على تقديم الدفع اللازم للسياحة الدينية في لبنان.