ها هي الآية مرة جديدة تنقلب. وها هم الاولاد ينتظرون عودة الأب ولا يكفون عن ذبح الخراف راجين الله عونه لإعادته لرشده دون ان تصدر عنهم أيّ كلمة مسيئة بحق قائدهم.
فالقصة لم تبدأ اليوم. إنها تراكمات بدأت منذ عودة رئيس تكتل التغيير والاصلاح الجنرال ميشال عون من منفاه عام 2005 ليجد تيارًا قويًا منظّمًا عابرًا للطوائف على مدى الوطن، مبنيًا على أسسه وعقيدته وتوجيهاته، ولم يكن حينها مطلوبًا منه سوى ادارته. الا أن مرحلة نشوة الانتصار لدى المناضلين لم تطل، فقد أتت الانتخابات النيابية، واستدعى الجنرال قادة الثورة المؤسّسين الفعليين لتلك الحالة، طالبًا منهم التنحّي هذه المرّة للرعيل الأول كعربون وفاء لمن نُفِيَ معه، ولم يكن ممن ضحى طوال خمسة عشرة عامًا بشبابه وماله وتحمّل السجن والتنكيل والطرد من الوظائف.
لم يكن لهؤلاء الا ان يقبلوا مقتنعين بوقتها وواثقين ان قائدهم لن ينساهم كما لم ينسَ رفاقهم الاوائل... ولم تتأخر الصدمة الثانية حين حلَّ موعد تشكيل اللوائح، فالقائد لم يكتفِ برفاق الدرب بل أتى باصدقاء العائلة ايضا، ولم تصدر أيّ كلمة اعتراض عن اللوائح او حتى عن التحالفات مع من نكّل بالشباب. عندها بات الجنرال مقتنعا اكثر انه مهما فعل لن يعترض احد، فالشباب تلقوا تربية صحيحة. ولم تطل هذه الفترة ايضا حتى اتت الانتخابات الثانية بعد العودة وحينها فُتح البازار على أصحاب رؤوس الاموال ومن لم ينجح منهم بالنيابة كان له المقعد الوزاري جائزة ترضية.. كل هذا وكان الشباب دوما يبرّرون لقائدهم، الى ان بدأ الحديث عن رغبة الجنرال بتسليم قيادة الحزب لصهره وزير الخارجيّة جبران باسيل، الذي بدأ بتكوين "لوبي" يعمل على تطويق الكوادر بغية اخراجهم من المعادلة... وعند تكرار تلك الحوادث لجأ المناضلون القدامى الى القائد الذي ما كان منه الا أن صَمّ أذنيه، ولم يكتفِ بذلك وقال لهم، "هيدا التيار الي ويلي مش عاجبو يفل".
السؤال الأول الذي يطرح نفسه اليوم، الى متى سيظل الرهان على عودة الجنرال الى رشده؟ والى متى سيبقى مؤسسو التيار الوطني الحر يُحيِّدونه عن انتقاداتهم مُحمّلين وزير الخارجية جبران باسيل كامل المسؤولية، مع انهم على يقين ان الجنرال هو المسؤول الاول عما آلت اليه الأوضاع داخل تياره؟! أما السؤال الثاني فلمن حالفه الحظ او القربة من المناضلين في الوصول الى الندوة البرلمانية وهم قلّة لا يتعدون الثلاثة او الاربعة اذا احتسبنا من كان نائبا في الـ2005، لم السكوت على ظلم رفاقكم؟ وهل حلت عليكم ايضاً لعنة الكرسي؟
* ناشط سابق في التيار الوطني الحر