في آخر الأخبار الواردة من الرياض، ان الرئيس سعد الحريري دخل منذ ساعات في المرحلة الاخيرة من المفاوضات مع الحكومة السعودية، لإعادة هيكلة وتنظيم شركة «سعودي أوجيه». وحسب المعلومات، فإن الاتفاق المتوقع إنجازه خلال عشرة أيام، يقوم على تملك الحكومة أو رجال أعمال من العائلة المالكة الشركة التي أسّسها رفيق الحريري قبل عدة عقود، وأن يصار الى تولي الجهة الشارية مسؤولية جميع الديون والالتزامات المالية المستحقة على الشركة.
وقالت المصادر إن الحريري يفاوض لأجل أن يبقي على حصة له في الشركة، وهو تقدم بعرض أن يبقى مالكاً لنحو 40 في المئة من الشركة، مقابل تخليه عن قسم من أسمهه في المصرف العربي. لكن الفريق الآخر، الذي يديره ولي ولي العهد محمد بن سلمان، يصرّ على تملك الشركة ككل، في حال كان المطلوب تسديد الديون.
وبحسب المصادر، فإن الدراسة التي أنجزتها شركة عالمية حول واقع الشركة، أظهرت أنها تملك عقارات وآليات بقيمة تقارب مليار ونصف مليار دولار أميركي، وأن التزاماتها المالية تلامس حدود أربعة مليارات دولار (نحو 14.5 مليار ريال سعودي) وهي تشمل مستحقات رواتب متأخرة وتعويضات نهاية الخدمة، ومستحقات لمقاولي الباطن ولموردين، إضافة الى قروض مستحقة لعدد من المصارف المحلية والعالمية في السعودية.
وقالت المصادر إن قراراً ملكياً قضى بأن يتم فصل شركة «أوجيه للصيانة» عن مجموعة «سعودي أوجيه»، وأن تبقى الشركة الاولى مملوكة من قبل الرئيس الحريري، على أن يتولى إدارتها بصورة كاملة رجل الاعمال اللبناني خير الدين الجسر (يحمل الجنسية السعودية ومقرّب جداً من أفراد بارزين في العائلة المالكة). ومن المفترض أن تدرّ هذه الشركة أرباحاً غير قليلة على الحريري، لأن أعمالها تنحصر في صيانة القصور الملكية وبعض المباني الخاصة بالحكومة. وهي ذات أكلاف محدودة قياساً بالاعمال التي تقوم بها.
وتفيد المصادر بأن الحريري مضطر إلى الرد على العروض بصورة فورية، وهو يواجه أزمة إضافية، ناجمة عن استحقاقات خاصة لمصارف لبنانية في ذمته، ويجري الحديث هنا عن نحو 580 مليون دولار أميركي، علماً بأن تطوراً سلبياً استجد، تمثل في تراجع قيمة أسهم شركة الاتصالات التركية التي يملك فيها الحريري نسبة كبيرة من الاسهم، عبر شركة «أوجيه تيليكوم» التابعة لـ»سعودي أوجيه».
على مستوى العمال، يبدو أن المفاوضات لشراء «سعودي أوجيه» وتزامنها مع فضيحة بقاء نحو 10 آلاف عامل آسيوي من دون غذاء في السعودية ولجوء السلطات الهندية إلى تأمين الطعام لهم الأسبوع الماضي عبر قنصليتها في جدة، دفعت العائلة الحاكمة في السعودية إلى التدخل. فهؤلاء العمال هم في غالبيتهم مصروفون من «سعودي أوجيه» ومن مجموعة «بن لادن» العملاقة التي تعاني من التعثّر أيضاً. فيوم أمس، نشر على حساب «سعودي أوجيه بدون رواتب» على موقع «تويتر»، شريط فيديو لشخص سعودي يقف في مقر الشركة في الرياض، متحدثاً لجمهرة من الموظفين والعمال. السعودي الذي عرّف عنه بأنه مندوب من إمارة الرياض، كلف بإبلاغهم بنود التسوية التي توصلت إليها المملكة لحل أزمة تأخر صرف رواتب الموظفين والعمال منذ تسعة أشهر: «صدر التوجيه الكريم بأن من يرغب في تجديد إقامته، تقوم الدولة بتجديدها من دون مقابل. ومن يرغب في مغادرة البلاد نهائياً، تؤمن له تأشيرة خروج. ومن يُرد نقل إقامته من كفالة شخص إلى آخر، فإنه يستطيع. أما من يريد الكفالة ولا يعرف كفيلاً بديلاً، يؤمن له مدير مكتب العمل كفيلاً جديداً. اعلموا أن الحقوق المالية محفوظة. وسأتوجه لباقي المجمعات التابعة للشركة لإبلاغ الموظفين الرسالة ذاتها». ما إن انتهى المندوب من تلاوة رسالته، حتى هتف الحاضرون: «يحيا الملك سلمان».
لم يشرح المندوب طريقة حل الأزمة التي ساد الظن أنها قد تقضي على امبراطورية الحريري. لكن تغريدات انتشرت على حسابات الموظفين والرسائل الصوتية التي تناقلها موظفون لبنانيون، كشفت أن «البنك الأهلي السعودي اشترى 20 في المئة من أسهم الشركة مقابل خمسة مليارات ريال سعودي». تلك المليارات «تكفي لتغطية الرواتب المتأخرة وتسديد ديون أوجيه المتراكمة». ولفتوا إلى أن الحقوق المالية حتى شهر تموز الماضي «تدفعها الدولة، أما ابتداءً من شهر آب الحالي، فالدولة ليست مسؤولة»، ما يعني أن «أوجيه» وظيفياً قد انتهت، لا سيما أن المندوب استعرض جميع الاحتمالات البديلة من تغيير العمل إلى المغادرة، باستثناء استئناف العمل في الشركة.
صرف الموظفين بات محتوماً. إبلاغ الموظفين بمخرج الأزمة جاء بالتزامن مع ما أعلنته صحيفة «الوطن» السعودية نقلاً عن مصدر في «أوجيه» بأن الشركة أوقفت جميع المشاريع التي كانت تنفذها «بسبب تأخر رواتب الموظفين واعتصاماتهم»، لافتاً إلى وجود 31 ألف دعوى قضائية رفعت ضد إدارتها من موظفين وعمال.
التغريدات الغاضبة من الحريري لم يهدّئها الإعلان عن الحل. موظفون سعوديون كالوا الشتائم للحريري، فيما انتقد آخرون «التدخل لحل مشكلة عمالية من الخارج (الهند وفرنسا) الذي هو وصمة عار على وزير العمل الذي وقف متفرجاً». وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة الفرنسية تدخلت لدى المسؤولين السعوديين لحل أزمة 200 فرنسي يعملون في «أوجيه».