تأسس المشروع الأميركي بما يسمى "الربيع العربي" على دعامتين إثنتين "الإخوان المسلمين" والجماعات التكفيرية، وتم إسناد القيادة السياسية والميدانية لتركيا بزعامة رجب طيب أردوغان، وإسناد التمويل وفتاوى التكفير لدول الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية.
خمس سنوات ولم ينجح المشروع الأميركي إلا بالقتل والمجازر والتدمير، حيث سقط "الإخوان المسلمون" في مصر وسورية وتونس، وأُخرجوا من الحُكم بعد عام أو عامين، بسبب عدم مبدئيتهم وانتهازيتهم واحتكارهم للسلطة، وتأييدهم لكامب ديفيد، وبسبب الصراع التركي - الخليجي المتناقض حول "الإخوان" والأهداف.
نجح التكفيرون عبر البوابة التركية في سورية والعراق في مصادرة المعارضات السورية والعراقية، وتحويل الصراع في سورية من المطالبة بالإصلاح وإسقاط النظام إلى قيام دولة "الخلافة الوهابية" المتحالفة مع العدو "الإسرائيلي" عبر بوابة الجولان وضرب المقاومة وقطع خطوط الإمداد.
حدث ما لم يكن في الحسبان وخارج التوقعات حتى والأمنيات، ووقع الزلزال التركي عبر الانقلاب العسكري الفاشل أو الناجح، فحتى الآن لم يسقط أردوغان، لكنه أسقط الدولة بنفسه.. كاد أن يسقط أردوغان بانقلاب الجيش أو انقلاب حلفائه عليه بقيادة أميركية مستترة، سواء عبر غولين أو الإمارات العربية المتحدة أو المملكة العربية السعودية، أو الجنرال الأميركي الذي اتهمه أردوغان.
الحلفاء في المحور الأميركي يتساقطون ويتصادمون ويخافون من غدر بعضهم بعضاً.. إنها تداعيات الفشل أو الهزيمة التي تولّد الانفعالات غير العقلانية والمجنونة، وتدفع أصحابها إلى سلوك دروب النجاة بأنفسهم، ولو تركوا الحلفاء وإخوة الخنادق ونزلاء الفنادق الذين سيهيمون على وجوههم بعد فشل المشروع، فأميركا لا ترحم حلفاءها وليست وفيّة لتضحياتهم، وهي تبدّلهم كما يتمّ تبديل إطارات السيارات المثقوبة.
انفجرت تركيا بالانقلاب العسكري، فارتعب أردوغان واهتزّ عرشه وأحلامه، فانفجر مجنوناً غاضباً يضرب بسيفه القمعي كل من يصادفه.. لقد بدأ بالانقلاب على الانقلاب بشكل بلغ حدود التوحُّش السياسي أو الإعدام الشامل لمعارضيه أو ممن يتهمهم بالمعارضة (لم يفعل الرئيس الأسد جزءاً مما يفعله أردوغان "الديمقراطي" الآن) من جماعة غولن، والتي يسميها "الكيان الموازي"؛ من الأطباء وأساتذة الجامعات، إلى الجيش والقضاء والصحافة، وحتى بعض مضيفي الطيران ولاعبي الرياضة.. إنه الانقلاب القاتل للدولة التركية التي يفككها أردوغان ويعيد تركيبها وفق ما يريد لـ"يطهّرها" من العلمانية الأتاتوركية والإسلام التركي المهجَّن لغولن، لينقل تركيا بعد حوالي قرن من "الأتاتوركية" إلى "الأردوعانية" المركّبة من خليط فكري عجيب؛ من الإسلام "الإخواني" على الطريقة التركية، إلى علمانية السياحة والسياسة، وصولاً إلى التحالف الاستراتيجي مع العدو "الإسرائيلي"، بالتوازي مع دعم "حماس" ظاهرياً، وكلها لخدمة مشروع "السلطان أردوغان".
لقد أعجزت سورية وحلفاؤها أردوغان وحلفاءه الغربيين والعرب والصهاينة، وانقلب "الربيع العربي" على عقبيه، ودخل تركيا قاصداً السعودية، التي تزاحم تركيا على زعامة "الإسلام السياسي السُّني"، خصوصاً أن السعودية مع "الوهابية" كانتا أول مسمار في نعش الخلافة العثمانية، فهل يعيد أردوغان الكرة ويثأر من أهل الخليج الذين طعنوه بالانقلاب؟
انفجرت في تركيا، وانفجر معها المحور الأميركي، وبدأ بالتصدع والتصادم والانهيار على أسوار حلب ودمشق والأنبار والموصل وصنعاء وبيروت..
وتوضيحاً، وحتى لا نُفهم خطأً، فإننا لا نقول إن محور المقاومة وأردوغان دخلا دائرة التحالف، بل دائرة تقاطع المصالح في لحظة ذهبية استثنائية ومؤقتة لن تطول، فلكل مشروعه المتناقض مع الآخر، لكن لابد من الاستفادة من لحظة الانشغال التركي في الداخل المضطرب، وانشغال أميركا بالانتخابات الرئاسية حتى آخر العام، بالإضافة إلى ترميم الثقة بين حلفائها، أي فترة الستة أشهر المقبلة والتقدم على جميع الجبهات في سورية والعراق واليمن ولبنان، لتثبيت الإنجازات ومراكمة الأرباح، وفي مقدمتها إنجاز استرجاع حلب وضمها إلى دمشق، لصرفها على طاولة المفاوضات، تمهيداً لإعادة التكفيريين إلى بلدانهم مع نسائهم الحوامل (30000 حامل)، لبذر التكفير المتوحش في ديار من أرسلهم إلينا.
الحذر وعدم الاسترخاء واجب، فالضربات القاتلة تكون عادة في الدقائق الأخيرة في الحرب.. فلننتبه جميعاً.