لم تستمر الحكومة التونسية برئاسة الحبيب الصيد أكثر من سنة ونصف حتى سارع الائتلاف الحاكم المكون من أربعة أحزاب، هي حزب نداء تونس، حركة النهضة، حزب آفاق تونس، والاتحاد الوطني الحر، إلى حجب الثقة عنها في البرلمان، وجاء هذا القرار من الأحزاب الأربعة في أعقاب احتدام السجال والنقاش الحاد في تونس بشأن تفاقم الأزمات الاقتصادية، والاجتماعية وتفشي البطالة والفساد، وفشل الحكومة في إيجاد الحلول الناجعة لها، إلى جانب استمرار العمليات الإرهابية التي تنفذ بين الفترة والأخرى من قبل تنظيم داعش.
واللافت أن الرئيس التونسي القائد السبسي والأحزاب التي تتشكل منها الحكومة أقدموا على تنظيم حملة من الانتقادات القاسية ضد الحكومة ورئيسها تحديداً محملين إياه المسؤولية عن هذا الفشل.
وانتقد السبسي ما اسماه الإدارة العمومية للحكومة واقترح تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة.
ويأتي هذا القرار من أحزاب السلطة، بعد محاولة فاشلة لتعويم الحكومة بإجراء تعديل وزاري في كانون الثاني الماضي لامتصاص النقمة الشعبية المتزايدة ضد سياساتها والتي عبر عنها بالاحتجاجات العنيفة التي شهدتها المدن التونسية ضد ارتفاع اكلاف المعيشة وازدياد أعداد العاطلين عن العمل.
غير أن هذه التطورات أثارت التساؤلات بشأن الأسباب التي دفعت الأحزاب الحاكمة إلى سحب الثقة من الحكومة واستطراداً الدعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية؟.
وأخيراً، هل أن المشكلة تكمن في توسيع الحكومة، أم في النهج السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يسلكه الائتلاف الحاكم؟.
أولاً: من حيث المبدأ إن أحزاب السلطة وفي مقدمها حزبا نداء تونس، وحركة النهضة، أقدمت على التخلي عن رئيس الحكومة الحبيب الصيد في سياق محاولة رمي مسؤولية فشلهم عليه، في حين من المعروف أن ممثلي الأحزاب الأربعة في الحكومة هم من يتخذ القرار ويرسم سياسات الحكومة مع رئيسها، وليس رئيس الحكومة لوحده، وهذا الأمر يؤشر إلى أن هذه الأحزاب أرادت التهرب من تحمل المسؤولية عن فشل سياساتها في حل أزمات التونسيين، والتسبب في مفاقمتها، ولهذا فعندما تعلن كتلة حزب نداء تونس في البرلمان بان قرارها سحب الثقة من الحكومة لأنها حكومة فاشلة، وهي ممثلة فيها بـ6 وزراء، إنما تحاول بذلك تحويل الصيد إلى ضحية والظهور بمظهر الحريص على إخراج البلاد من الأزمة.
وفي هذا السياق كان لافتاً وصف أحد المعلقين التونسيين على هذه المسرحية السياسية المخادعة التي مارستها أحزاب السلطة، بالقول: إن الصيد كان كاليتم في مأدبة اللئام، في إشارة إلى المشهد السياسي الحافل بالممارسات غير الأخلاقية.
ثانياً: إن أحزاب السلطة شعرت بأن الحكومة لم تعد تحظى بأي شعبية في الشارع في ظل استمرار الازمات الاقتصادية والاجتماعية وتفاقهما، وبالتالي فإن هي أصرت في الإبقاء عليها فإنها سوف تخسر كثيراً من شعبيتها، وعليه فان أفضل وسيلة للخروج من هذا المأزق هو المبادرة إلى إقالتها.
وإذا كان هذا السبب الأول المباشر الذي دفع هذه الأحزاب إلى اتخاذ مثل هذا القرار فان الأسباب الفعلية التي أدت إلى ذلك إنما تكمن في فشل النهج السياسي والاقتصادي والاجتماعي لهذه الأحزاب في حل الأزمات، لا بل أن المؤشرات تظهر بأنه خلال السنة ونصف من عمر الحكومة، ارتفعت نسب البطالة، وغلاء المعيشة، وبات الانطباع العام في تونس بان البلاد تسير من تراجع إلى تراجع، وإن أوضاع التونسيين ما قبل ثورة الياسمين كانت، على سوؤها، أفضل حالاً مما هي عليه الآن، وأن الديمقراطية المتمثلة بالانتخابات لم تحقق للتونسيين تطلعاتهم وآمالهم بالتنمية وتوفير فرض العمل وتحقيق العدالة الاجتماعية، بل أن هذه الديمقراطية كانت بمثابة وسيلة لإعادة تعويم نهج النظام السابق بكل مضامينه السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتمثل ذلك بصورة واضحة باستمرار خضوع تونس لشروط صندوق النقد الدولي، والتبعية لحلف الناتو، تحت ذريعة محاربة الإرهاب.
ثالثاً: إن العمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية لن يبدل من واقع الأمر شيئاً إذا ما استمر النهج النيوليبرالي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، لاسيما وأن أحزاب السلطة الأربعة ستكون الأساس في تكوين مثل هذه الحكومة، ولهذا فانه ما لم يتم تغيير السياسات فان الأزمة ستستمر على الصعد كافة، وهو ما يجعل تونس في حالة من عدم الاستقرار السياسي الذي يتمثل في عدم قدرة الحكومات، التي تعاقبت على الحكم منذ سقوط نظام زين العابدين بن علي، على الاستمرار فترة طويلة نسبياً، نتيجة عدم تحقيقها مطالب التونسيين المزمنة.
ولهذا فان أزمة تونس ليست أزمة شخص أو أشخاص، إنما هي أزمة نابعة من النهج السياسي والاقتصادي والاجتماعي المنتج للأزمات والمسبب لحالة عدم الاستقرار التي تعيشها البلاد. وفي هذا السياق قالت «صحيفة اليوم» التونسية «يجب على القوى السياسية والمدنية قبل الانزلاق في الفوضى السياسية أن تدرك جدياً بان تونس تمر بأدق مرحلة من مراحل تاريخها في ظل مشهد حزبي بائس وخطير».
فيما دعت صحيفة لوتان الناطقة بالفرنسية إلى «تجنب الفوضى بأي ثمن».
لكن كيف يكون هناك استقرار سياسي وتجنب للفوضى في ظل غياب التنمية الاقتصادية وفقدان التونسيين لأمنهم الاجتماعي؟.