جريمة اطالة عمر النظام السوري برئيسه الحالي بشار الأسد، هي أساس جريمة استمرار الحرب في هذا البلد، وايذان بالمزيد من القتل وباستمرار عمليات التهجير سواء الى خارج سورية او في داخلها. حتى احتمالات تقسيم سوريا التي اشار اليها نائب امين عام حزب الله نعيم قاسم قبل ايام، ليست خيارا مستعجلا. ولن يحقق التقسيم، فيما لو حصل، فرصا للاستقرار، بل سيفتتح ابوابا جديدة للحروب والأزمات الاقليمية. اذ يكفي العنوان الكردي بذاته ليكشف حجم الاشتباك الاقليمي الذي يمكن ان يسببه ايّ مشروع انفصالي كردي على مستوى المنطقة.
لعل المشهد الابرز في خضم المواجهات الجارية ان السياسة في مجتمعاتنا باتت تنطلق من البعد المذهبي او الطائفي او الاثني. السياسات الوطنية وبناء الدول تستند الى تراكم تاريخي على مستوى انظمة الحكم لدى الشعوب والمجتمعات من جهة، وعلى خيار الانحياز الى النموذج الاقوى عالميا على مستوى ادارة شؤون الدولة وتحديدا النموذج الديمقراطي من جهة ثانية. الاخير هو الذي فرض نفسه على مستوى النموذج الجاذب وكاحد ادوات العولمة.
التقدم الذي احدثته فصائل المعارضة السورية في حلب لا يعني اننا امام مشهد النهايات للازمة السورية، بل ثمة محاولة لاعادة التوازن الذي اختل خلال الاشهر الماضية لصالح النظام السوري وحلفائه. والارجح ان عملية الاستنزاف، وان كان الشعب السوري هو من يدفع اثمانا اجتماعية واقتصادية واستراتيجية تتصل بالجغرافيا السورية وديمغرافيتها، غير ان حصيلة الخسائر الكبيرة التي طالت الدولة السورية، ترجح اليوم مسارا جديدا لميزان الخسائر. فالنظام السوري كشفت الوقائع الميدانية ولاسيما في حلب اخيرا، فقدان جيشه قدرته على الصمود والسيطرة من دون مستوى عال ونوعي من الدعم الايراني والروسي. وكل الخبراء العسكريين يؤكدون ان سلاح الجو الروسي نجح منذ صيف العام 2015، في اعادة الاعتبار للجيش السوري في الميدان، لكن هذا التفوق الجوي لم يستطع النظام استثماره من اجل بسط سلطته، وبدا، في كل المواجهات التي خاضها، عاجزا عن الصمود او تحقيق تقدم من دون دعم ايراني وروسي.
ففيما كان الدخول الروسي العسكري يزداد ويشتد، كانت المعارضات السورية تعاني من تراجع الدعم العسكري لها من قبل تركيا والسعودية وقطر، بل منعت واشنطن استخدام اي صواريخ مضادة للطائرات في مواجهة الطيران الروسي والسوري. وهذه السياسة الاميركية لم تكن من اجل ترجيح كفة النظام على المعارضة، بل منع انتصار المعارضة وحسم الصراع باسقاط نظام الاسد. لذا فان سياسة استنزاف اطراف الصراع المحليين والاقليميين هي الهدف. ولن تنتصر ايران في سورية ولن تتلقى هزيمة حاسمة. كما لن تنجح الثورة السورية في اسقاط نظام الاسد، فيما نظام الاسد يستفيد فقط من قرار عدم اسقاطه فقط باعتباره عاجزا تماما عن حكم سورية مجددا باقرار الجميع.
اوهام التقسيم هي بوابة لتفادي مخاطر احدثتها شروخ الحرب السورية على المستوى المذهبي (السني – الشيعي) وفي نفس الوقت اعادة رسم خطوط تماس لا يمكن الا ان تشكل عناصر تفجير حروب مذهبية واهلية مستمر. يبقى ان سلاح الفرز والتقسيم يرفع دائما في مواجهة نزعة الاستبداد والالغاء سواء كانت نزعة دينية او نزعة قومية ايديولوجية. وغالبا ما تتلاقى هذه النزعة مع حسابات السيطرة الاقليمية او الدولية. لذا يظل الاستبداد والانظمة الشمولية عموما، عناصر اساسية في تفخيخ المجتمعات الوطنية بمثل هذه الهواجس او الخيارات الانفصالية او التقسيمية.
المجتمعات العربية والمجتمع السوري تحديدا انفجر من داخله، وملحمة الحرب التي يخوضها السوريون اليوم في مواجهة العالم، حملت الدمار والموت، لكنها اطلقت ارادة التغيير والخلاص من انظمة الاستبداد سواء كانت باسم الطائفة او باسم الدين او باسم البعث... هذا الانفجار الهائل في المجتمع السوري هو حصيلة مصيبتين: قمع الخيارات التغييرية طيلة عقود حكم البعث من جهة، وانكشاف الممانعة وعجزها عن مواجهة المتغيرات العالمية الا عبر تفجير المجتمع والانحياز للتقسيم.