اذا كان صحيحا ما نقل عن لسان رئيس المجلس النيابي نبيه بري بأنه ذهب الى الدوحة وكان اسم العماد ميشال سليمان في جيبه كرئيس للجمهورية، وان انتخابه جاء بعد الاتفاق على عدة ملفات داخلية، فان المعطيات والوقائع المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي اليوم تبدو مختلفة.
وتذكّر مصادر سياسية ان الرئيس السوري بشار الأسد أشار الى ان نجاح عملية انتخاب ميشال سليمان رئيسا للجمهورية، جاء نتيجة الموقف الإيجابي الذي اتخذه رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون وقبوله بانتخابه، وان كان قد أعرب في اكثر من مناسبة انه كان من الأخطاء السياسية الكبرى، وجاء بعده حزب الله ليتلو فعل الندامة، بعدما تبيّن لهما ان انتخاب رئيس للجمهورية يجب ان ينطلق من معايير غير تلك التي انتخب الرئيس الأسبق ميشال سليمان على أساسها.
وترى المصادر ان تمسك حزب الله بترشيح العماد عون، اضافة الى تمثيله لفئة وشريحة كبرى من المسيحيين، يعود الى التعامل والتجربة والخبرة والثقة والصدق، بكل المواقف التي اتخذها الجنرال، التي لم تعد بحاجة الى تأكيد، ولم تعد موضع شك.
وتلفت المصادر الى ان الصورة الانتخابية اليوم في ما خَص رئاسة الجمهورية انقلبت، اي أنّه لم يعد الانتخاب يتم عبر التزامات او وعود من قبل المرشّح، ويتم التنكّر لها في ما بعد، بل ان المرشحين موجودون، والمطلوب ان تقتنع معظم الكتل النيابية، انطلاقا من مبدأ اللبننة الذي ينادون به، بانتخابه، وهو الذي يعرف، وعايش ويعايش، أزمات البلاد الداخلية، وملمّ بما يجري حولنا من احداث، وعلى علم أيضًا بتوجهات وسياسات عدد من الدول العربية والإقليمية تجاه بلده.
وتعتبر المصادر ان تجربة فئة من اللبنانيين وبالأخص التيار العروبي والاشتراكي مع كميل شمعون الذي لقب "بفتى العرب الأغرّ"، قبل تبنّي هذه الفئة من المسؤولين ترشيحه وانتخابه رئيسا للجمهورية، لم تكن مشجعة، حيث انقلب وهو في سدّة الرئاسة الى ألد أعداء العروبة، واستنجد بحلف بغداد، وكان وراء نزول المارينز الاميركيين على شواطئ لبنان.
كما تذكر المصادر كيف ان رئيس الجمهوريّة الراحل سليمان فرنجية كان من اقرب الرؤساء الى الرئيس السوري حافظ الأسد، وكان يتباهى بسياسة شقيقه العروبية حميد فرنجية، وأكثر المؤيدين للقضية الفلسطينية، فكان اول رئيس للبنان يأمر قائد الجيش اللبناني آنذاك الجنرال إسكندر غانم بضرب المخيمات، ويرفض إقالته على إثر الهجوم الاسرائيلي الذي حصل في بيروت وأدّى الى مقتل قياديين في منظمة التحرير الفلسطينية، وكيف ان هذه الوقائع أحدثت شرخا بينه وبين رئيس الحكومة الراحل صائب سلام أعزّ أصدقائه ومن الذين ضحّوا بالكثير لانتخابه، مما اضطرّه الى تقديم استقالته من رئاسة الحكومة لأنّ الرئيس فرنجية رفض إقالة غانم.
وتقول المصادر ان من أسباب تعثر الانتخابات الرئاسية اليوم، مع عدم تجاهل العوامل الخارجية التي تؤثر في هذا الملف، ان زعماء بعض الكتل النيابية لا يزالون ينظرون الى هذا الاستحقاق الرئاسي بأنه فرصة للتفاوض بهدف الحفاظ على حيثيات او مراكز نفوذ اعتبروها مع الممارسة منذ انتهاء الحرب اللبنانيّة بأنّها حقّ من غير المسموح التعرض له، او إثارته في أي من الخلوات التي تتمّ فيها مناقشة انتخابات رئاسة الجمهورية.
وتستخلص المصادر، انه اذا كان زعماء لبنان ذهبوا الى الدوحة واسم ميشال سليمان في جيبهم كرئيس للجمهورية، وكان المطلوب منهم الاتفاق معه على ملفّات اخرى، لأنّ هذه التجربة أدّت الى ما يعانيه لبنان من فراغ دستوري، فالمطلوب ان يثق النواب بالشخص الذي سينتخبونه، لا أن يمارسوا عملية انتخاب رئيس وكأنها حقل تجارب، لأنّ لبنان لم يعد يحتمل تجربة مثل ميشال سليمان او أي شخصيّة اخرى "تَتَمَسْكن حتى تَتَمَكن".