من الاوصاف التي تنطبق على الوضع اللبناني بأنه بات أقرب إلى «بيت العنكبوت» لجهة الملفات المتشابكة والمعقدة والعصية على الحل، من الاستحقاق الرئاسي، إلى قانون الانتخاب، إلى ملف النفط، فالجمود التشريعي، والتعيينات العسكرية والاتصالات الخ..
والمستغرب ان أياً من المسؤولين اللبنانيين المعنيين بأي من هذه الملفات غير مستعد للتراجع ولو قيد أنملة عن مواقفه وهو يُصرّ على الاستمرار بالبقاء على سلاحه من دون إعطاء أي اعتبار للخسائر الفادحة الناجمة عن الاستمرار في الإخفاق بحل هذه المواضيع الأساسية التي هي من أسس الكيان اللبناني.
والمستغرب أكثر فأكثر هو إجماع القوى السياسية على اعتبار ان الوضع اللبناني بات مرتبطاً بشكل عفوي وكامل مع ملفات المنطقة، وهذه القوى ترضى «بالستاتيكو» الحاصل دون ان تتكبد عناء محاولة فتح قنوات التواصل والاستغناء عن العامل الإقليمي أو الدولي لحل المشاكل الداخلية، سيما وأن كل الموفدين الدوليين الذين زاروا لبنان على مدى سنتين ونيف التقوا على التأكيد بأن على اللبنانيين الاعتماد على أنفسهم في حل مشاكلهم وأن الخارج الغارق في مشاكله غير مستعد على تقديم أية مساعدة في هذا السبيل، كون ان الأولوية معطاة للأزمات الحامية في المنطقة من سوريا إلى العراق واليمن، وأن الوضع اللبناني برأي دول القرار يستطيع ان ينتظر إلى حين الوصول إلى تسوية كبرى لحل الأزمات المفتوحة في المنطقة.
وفي تقدير أوساط سياسية متابعة ان الكلام الذي يقال عن إمكانية انتخاب رئيس قبل نهاية هذا العام هو كلام غير دقيق، وغير مبني على أية معطيات يمكن ان تدفع بهذا الاتجاه، لا بل إن ما يجري إن على المستوى السياسي أو الميداني يوحي بأن الحريق المندلع في المنطقة من غير السهل إطفاؤه في غضون الأشهر القليلة، وبالتالي فإن حالة المراوحة والانتظار والترقب في لبنان ستبقى هي السائدة، ناهيك عن الانتخابات الرئاسية في أميركا والتي شارفت التحضيرات لها على الانتهاء، وهو ما يعني ان الإدارة الأميركية أقفلت الأبواب على الخارج وتفرغت لترتيب وضعها الداخلي بما يجعل من المتعذر على لبنان إنجاز استحقاقه الرئاسي قبل تسلم الرئيس الأميركي الجديد منصبه والانكباب على الاطلاع على ملفات المنطقة.
ومن خلال تقصي هذه الأوساط لوقائع جلسات الحوار المتتالية الأسبوع الفائت فإنها ترى ان أقطاب الحوار يحاولون قدر الإمكان السعي للخروج بالاستحقاق الرئاسي من الفراغ، غير ان أي فريق لا يقدم أي طرح جديد يكون جامعاً ويدفع في اتجاه إنجاز الانتخابات الرئاسية، وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدلّ على أن الأبواب الداخلية ما تزال موصدة أمام أي حلّ، وبالتالي فإن التعويل على الخارج لا يزال أمراً مبرراً على الرغم من النصائح الدولية التي أُسديت إلى المسؤولين اللبنانيين بضرورة تقريب المسافات والابتعاد قدر الإمكان عن حالات التشنج التي قد تسبّب لا سمح الله في ظل الحريق السوري المندلع في وصول شرارة هذا الحريق إلى الداخل اللبناني ووقوع ما لا تُحمد عقباه.
وتسخر هذه الأوساط من الذين يعتبرون أن المعركة الجارية في حلب هي معركة فاصلة وسترسم هي خارطة المنطقة، معتبرة أن هذا الكلام مبالغ فيه وأن ما يجري في حلب سيبقى في إطار خط التماس الأميركي - الروسي، بمعنى أنه لا النظام ولا المعارضة سيسيطران بالكامل على هذه المدينة التي بات الوضع فيها أقرب إلى ما كان يحصل خلال الحرب في لبنان إن في سوق الغرب، أو بين الشياح وعين الرمانة، اللهم إلا إذا طرأ تطوّر دولي ما قلب الصورة وأحدث متغيّرات تتطلبها المرحلة المستجدة، سيّما وأن القمة التي انعقدت في قصر قسطنطين في ضواحي سان بطرسبورغ بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيّب أردوغان لا شك ركزت على ما يجري في حلب وأن أي قرار سيتفق عليه الجانبان سيكون له أثره على الواقع الميداني بالتأكيد كون أن الطرفين يعدّان من أهم اللاعبين في الأزمة السورية وأي قرار يتخذانه سيكون له أثره على المشهد العسكري والسياسي في سوريا، لكن في ما يبدو لن يكون لهذه القمة نتائج فورية على هذا الصعيد.
وتخلص الأوساط السياسية إلى التأكيد بأن جلسات الانتخاب، ومعها جلسات الحوار لن يحققا الهدف المرجو منهما ما دام الأفق الداخلي مقفلاً على هذا النحو، وما دام المشهد الإقليمي غارقاً في الغموض، ولذا فإنه ما على اللبنانيين إلا التعايش مع الواقع الحالي، وترتيب ما أمكن في البيت الداخلي للتخفيف من وطأة الخسائر، وللحؤول دون انزلاق لبنان إلى آتون ما يجري في محيطه، فهو ليس جزيرة معزولة وبالتالي امتداد الحريق إلى ثوبه يبقى وارداً في أية لحظة بالرغم من العمل الشاق والجبّار الذي يقوم به الجيش اللبناني والقوى الأمنية لضبط الوضع وملاحقة الخلايا التي تحاول العبث بأمن واستقرار لبنان.