لم تكن مصادفة اعلان الامر الملكي الصادر عن الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز "بمعالجة اوضاع العمالة المتضررة من تجاوزات بعض المنشآت" بما في ذلك شركة "سعودي اوجيه"، ومغادرة السفير السعودي في لبنان علي عواض العسيري الى السعودية.
رسمياً، لا يمكن تأكيد شيء، ان لجهة تزامن القرارين او لجهة الدلالات التي يحملها كل منهما. تفسيرات عدة يمكن ان تعطى وآراء كثيرة يمكن ان تطرح، انما وفق قراءة لشخصية متابعة للاحداث، فإن الخطوة السعودية لها تفسير يطال الساحة اللبنانية باحدى شظاياه.
القراءة تشير الى ان السعودية اتخذت اخيراً قرارها بتعويم رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري عبر "تخليصه" من مشكلة "سعودي اوجيه" ولو انه سيخسر فيها "حصة الاسد" التي طالما امتلكها كوريث لوالده الراحل. فخسارة الحصص افضل بكثير من خسارة الاسم والصيت وخسارة الشركة ككل، وهو اي الحريري، كان من الداعين الى شراء المسؤولين في السعودية حصصاً لانقاذ الشركة، فيرتاح من احد الهموم الرئيسية لديه.
انقاذ الحريري من مشكلة "سعودي اوجيه" لا تعني بطبيعة الحال انه اعطي "شيك على بياض"، بل اشارة الى ان قرار رمي طوق النجاة اتحذ، ويجب على الحريري ان يعمل على استحقاق انقاذه، الا ان المشكلة لدى رئيس تيار المستقبل لا تزال على حالها، وهي ازدواجية القرارات لدى المرجعية السعودية، لكنه سيتنفس الصعداء وسيرى اشارات ايجابية وصلت اليه وسيبني عليها حتماً للعمل على اثبات صحة تعويمه لبنانياً مجدداً.
في المقابل، كان السفير العسيري يغادر لبنان بشكل فجائي، ما اثار الكثير من التساؤلات حول الهدف والمغزى من عودته الى السعودية وعما اذا كان سيرجع الى بيروت ام لا. المؤكد ان المغادرة لم تكن امنية او للراحة والاستجمام، بل اشبه باستدعاء لوضع العسيري في جو الاجواء الجديدة التي طرأت، ما يعني بكلام آخر ان السعودية ستوجه الى العسيري كلاماً واضحاً لجهة تقيده بالخطط الجديدة الموضوعة.
ضياع العسيري يكاد يوازي ضياع الحريري، وهو ينتظر اي طرف سعودي سينتصر ليعرف الخط الذي يحب اتباعه، ولكنه لن ينعم بهذه الميزة. يذكر الجميع "القنبلة" التي فجرها الوزير نهاد المشنوق بكلامه عن حث العهد السعودي السابق للحريري للتقرب من سوريا واتخاذ خيارات لبنانية قلّبت الرأي العام للتيار المستقبلي عليه، وجعلت الوزير اشرف ريفي اقرب اليهم منه.
اليوم، تبدو المؤشرات لـ"تنظيم" الامور السعودية في اتجاه لبنان موجودة، وكلام المشنوق ورئيس مجلس النواب نبيه بري عن حتمية انتخاب رئيس للجمهورية قبل نهاية العام الحالي هو انعكاس لهذه المؤشرات، واذا ما صدقت القراءات والتوقعات، فإن الرياض ستعود الى قديمها في لبنان اي الى الحريري، وستبقي على اوراق ريفي وغيره على الطاولة للاستفادة منها عند الحاجة انما مع حصر نشاطها وتصغير حجمها الى الحد المقبول، ولم لا، العودة الى احضان التيار المستقبلي بعد مصالحة تعيد ترتيب البيت الداخلي وفق المعطيات الجديدة.
قد يعود العسيري لفترة انتقالية وقد يمدد مرة جديدة، ولكن الاكيد ان شيئاً ما سيتغير في التعاطي السعودي مع اللعبة اللبنانية وخصوصاً مع لاعبها الرئيسي سعد الحريري الذي احس في الفترة الاخيرة انه يفقد زمام الامور شيئاً فشيئاً وابلغ دليل على ذلك ما حصل لجهة التصويت على ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة داخل التيار وهو امر يحصل للمرة الاولى، وكلام النائب فؤاد السنيورة الذي اضطر للاعتذار عنه لاحقاً لانه "اسيء تفسيره".
هل سيعرف الحريري الاستفادة من رمي طوق النجاة له، ام انه سيكون مرة جديدة امام مفترق طريق سعودي لن يعرف كيف يتعامل معه فيخسر فرصة ذهبية للعودة الى الساحة بقوة وبالصورة التي اعتاد ان يظهر فيها؟