تتجه الأنظار نحو حلب ومعاركها التي تختصر كل المعارك في الجغرافيا السورية، والتي ستحدد مسار الأزمة السورية والحل السياسي، وتحدد المحور الرابح أو الخاسر، وتغني عن كل الجبهات المستقلة في المدن والأرياف السورية، فمعارك حلب وفق مصطلحات كرة القدم هي "المباراة النهائية"، والتي ستتوِّج الرابح في "الماراتون الدموي" في سورية، والذي تجاوز الخمس سنوات.
في معارك حلب يتشكل كلا الفريقين من لاعبين دوليين وإقليميين؛ فريق باسم الدولة السورية، وآخر خارجي باسم قوى المعارضة المسلحة التكفيرية الدولية التي فضحت المؤامرة الأميركية - الدولية على سورية، والتي صرّح عنها النظام والدولة السورية بأن الأحداث ليست صناعة أو أهدافاً سورية بحتة، إنما صناعة دولية وإقليمية، ولأهداف سياسية تتصل بالمشروع الأميركي المسمى الشرق الأوسط الجديد أو الكبير، والذي استغل ثغرات سورية داخلية نفذ منها إلى قلب الميدان السوري، لتدفع سورية الأثمان الكبرى بسببه، وكذلك محور المقاومة، ويستمران بالصمود لإنقاذ سورية وإنقاذ المنطقة والأمة من المصير الأسود الذي تحاول أميركا استدراجهم إليه، ولذا فإن معارك حلب ليست بين سورية الدولة وجيشها ضد معارضة داخلية سورية، بل هي بين محور المقاومة والمحور الأميركي الخليجي على ساحة حلب؛ بما يشبه معركتي "ستالينغراد" و"النورماندي" في الحرب العالمية الثانية، واللتين كان لهما الأثر الأساسي في حسم نائج الحرب، مضافة إليهما الجريمة الأميركية بالقنبلة النووية ضد اليابان في هيروشيما وناكازاكي.
يمكن القول إن "الإنزال" الأميركي وحلفاءه عبر جماعات المعارضة التكفيرية من "جبهة النصرة" و"جيش الفتح" وبقية الأسماء على أسوار حلب يشابه الإنزال الأميركي في النورماندي، وعلى محور المقاومة أن يقاتل كما قاتل الروس في معركة ستالينغراد، التي بلغت خسائرها البشرية ما يقارب المليوني قتيل، أو كما قاتلت المقاومة في تموز 2006 في جنوب لبنان، فمعارك حلب هي معارك لخدمة السياسة والمفاوضات والحلول، وكل متر على الجبهة سيُكتب كلمة في محضر المفاوضات، ويمكن أن تطول معارك حلب لاستنزاف الطرفين أو لتمكُّن أحد الطرفين من الانتصار، ومعارك حلب مطلب ضروري ووجودي لكلا الطرفين، خصوصاً للمشروع الأميركي الذي تمّت عرقلته طوال خمس سنوات وانتهى بتصدُّع وخلخلة أدواته، والتناحر فيما بينهم، وصولاً إلى التآمر على بعضهم في انقلاب تركيا، وانكفاء قطر، والخلاف السعودي - الإماراتي بالتزامن مع تقدُّم محور المقاومة في اليمن وسورية والعراق.
معارك حلب ستحدد وجهة الحل السياسي، والرابح بالنقاط أو بالضربة القاضية، وسيتخلّلها كر وفرّ، وانسحاب وتقدُّم، وفي كل الحالات خسائر بشرية فادحة، وعنف ناري يصل إلى حدود الجنون الاستثنائي، بسبب ضيق الوقت الأميركي، ولانشغال الإدارة الأميركية، والفترة الانتقالية بعد الانتخابات، وإعادة التموضع الجديد أو الخطة الجديدة.
مسؤولية معارك حلب ليست مسؤولية سورية فقط، بل مسؤولية محور المقاومة بدون استثناء، فإن ربحت سورية معركة حلب ربح محور المقاومة، وإن خسرتها خسر محور المقاومة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المحور الأميركي.
معارك حلب أقسى المعارك السياسية في القرن الواحد والعشرين، وحرب عالمية مصغَّرة، ومحدودة في الجغرافيا، مع أن نيرانها بدأت بالتمدد إلى الجوار، وحتى إلى أوروبا، فإن طالت معارك حلب أو الموصل فإن نار التكفيريين ستشتعل أكثر في خارج الإقليم، وستصيب الداعمين للإرهاب والتكفير بالرعب والخسائر، كما هو حال أوروبا الآن، لكن على صعيد أكثر، ومساحة أوسع.
حلب مفتاح مستقبل المنطقة العربية والشرق الأوسط، وبوصلة الاتجاه للمشهد السياسي الدولي، ولدور روسيا وأميركا والصين وأوروبا.. إنها مصنع صناعة الأقطاب العالميين الجدد والقوى الكبرى، وكذلك شطب دول واتحادات وتجمّعات دولية.. إنها قرار تفتيت الدول أو بقائها موحَّدة..
سورية تصنع العالم الجديد بأحداثها ونتائجها، بعدما انفضحت أحداث سورية ولم تعد مشكلة داخلية بل مشكلة خارجية سيتحمّلها الداخل السوري ودول الجوار.