في ظل التطورات الدراماتيكية التي يشهدها الميدان السوري، لا سيما في العاصمة الإقتصادية حلب، تأتي التحولات على المستويين الدولي والإقليمي، خصوصاً لناحية الموقف التركي، الذي يترجم عبر الزيارات واللقاءات التي تحصل مع كل من روسيا وإيران، بالرغم من التباين في المواقف بين الأقطاب الثلاثة، بالتزامن مع الإعلان التركي عن الاستعداد لبحث عمليات مشتركة مع موسكو ضد تنظيم "داعش" الإرهابي.
قد يكون من المستغرب أن يقوم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة مفصلية إلى روسيا، حيث التقى الرئيس فلاديمير بوتين، ومن ثم يستقبل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في أنقرة، في وقت تدعم بلاده مجموعات المعارضة السورية المسلحة في معركة مدينة حلب، التي تخوض مواجهات عنيفة مع الجيش السوري المدعوم من موسكو وطهران، لكن هذا الأمر لم ينقطع في الفترة التي سبقت أزمة إسقاط المقاتلة الروسية، كما أن إيران حافظت دوماً على علاقات متميزة مع تركيا، على عكس ما هو الحال مع السعودية.
في هذا السياق، يتوافق المحلل السياسي الإيراني حسن هاني زاده مع رئيس المعهد التركي العربي للدراسات الإستراتيجية ابراهيم بوعزي على أهمية توقيت الزيارة التي يقوم بها ظريف إلى أنقرة، لا سيما أنها تأتي مباشرة بعد اللقاء الذي حصل بين أردوغان وبوتين، بعد فترة من القطيعة التي طغت على العلاقة بين البلدين، ويؤكدان أن الملف السوري هو الطبق الأساسي في كل المباحثات التي تجري، بالرغم من كل المواقف العلنية التي تصدر عن مختلف الأفرقاء.
ويشير زاده، في حديث لـ"النشرة"، إلى تحول في السياسة الخارجية التركية بعد الإنقلاب التركي الذي شهدته أنقرة، خصوصاً أن أنقرة مندهشة من حجم المؤامرة التي تقف خلفها الولايات المتحدة وبعض الدول العربية، ويتوقع أن يتطور هذا الأمر في الأسابيع القليلة المقبلة.
بالنسبة إلى زاده، أنقرة تريد، من خلال البوابة الروسية والإيرانية، العودة إلى ممارسة دور إيجابي في الأزمة السورية، والرئيس التركي ذهب إلى موسكو من أجل هذه الغاية، وبالتالي من المفترض أن تشهد دمشق إنفراجات إيجابية، وربما تكون المنطقة أمام ولادة حلف عسكري وسياسي وإقتصادي جديد، بين موسكو وطهران وأنقرة، سيشمل لاحقاً دولاً أخرى، في مواجهة الحلف الأميركي الإسرائيلي العربي المقابل.
من جانبه، يشرح بوعزي الواقع التركي من خلال التأكيد أن أنقرة خرجت حديثاً من أزمة كان من الممكن أن تقودها إلى المستنقع العراقي والسوري، وهي كانت قد أعلنت قبل الإنقلاب على لسان رئيس وزرائها بن علي يلدريم عن رغبتها بالعودة إلى سياستها القديمة مع دول المنطقة، أي النزول بالمشاكل إلى مستوى صفر.
إنطلاقاً من ذلك، يرى بوعزي الزيارة إلى موسكو وإستقبال ظريف في أنقرة، حيث أن طهران لم تنتظر زيارة أي مسؤول تركي بل سارعت إلى إرسال وزير خارجيتها، ويذكر بأن الأخيرة عندما كانت تقع تحت الحصار لم تجد إلا تركيا إلى جانبها، ويتوقع تعزيز العلاقات الإقتصادية بين الدول الثلاث في الفترة المقبلة، لا سيما أن أنقرة معبر أساسي للطاقة في المنطقة.
وفي حين يشدد على أن الملف السوري أساسي في المشاورات، يعتبر بوعزي أنه بعد فك الحصار عن حلب حصل إختلال بالتوازن وظهرت خلافات بين المقاتلين الذين يدعمون الحكومة السورية، ويعتبر أن هذا الأمر قد يقود إلى تحالفات جديدة على أرض الواقع، ويوضح أن لموسكو وأنقرة وطهران علاقات مباشرة بهذه الأزمة، ويضيف: "ربما طهران وموسكو يبحثان عن خط آمن للرئيس بشار الأسد".
على هذا الصعيد، يشدد زاده على أن أنقرة خسرت كثيراً في السنوات الخمس الماضية، لكنها بعد الإنقلاب العسكري الفاشل شعرت بالعزلة، واليوم هي في موقع إعادة النظر بمواقفها والإقتراب من محور المقاومة، أما المواقف المناقضة التي يدلي بها بعض المسؤولين الأتراك فهي لحفظ ماء الوجه، ويؤكد أنه خلف الكواليس الوضع مختلف كلياً.
ويرى زاده أن هذا التحول سيكون له تداعيات كبيرة، في المرحلة المقبلة، ويشير إلى أن معركة حلب ستكون مفصلية في هذا المجال، خصوصاً أنها ستفرض واقعاً جديداً على المستويين الداخلي والخارجي، الأمر الذي يعارضه بوعزي، نظراً إلى أن "تركيا ليس لديها مقاتلين على الأرض وتتعامل مع الملف من الناحية الإنسانية فقط"، ويضيف: "ليس لدى أنقرة أجندة عسكرية بالرغم من كل الإتهامات التي توجه لها، لا بل هي تمنع وصول المقاتلين إلى الأراضي السورية من خلال الإجراءات التي تقوم بها".
ويشدد بوعزي على أن تركيا ليست في تنافس عسكري في الداخل السوري، بالنسبة إلى الواقع في حلب التي تعتبر ذات أهمية بالغة لها، بالرغم من أنه يتحدث عن إحتمال وجود إستخباراتي، ويتمنى أن يقود التقارب الحالي إلى "كسر شوكة إرهاب الدولة السورية والميليشيات الداعمة لها"، بالإضافة إلى الحصول على إعتراف دولي بالمعارضة كي تنتهي هذه الأزمة، ويضيف: "ربما يسمعون صوت تركيا التي تطالب بمنطقة آمنة في الشمال السوري وتبقى الأزمة السياسية لحلها".
في المحصلة، لا تزال الأزمة السورية بعيدة عن الحل القريب، رغم كل التحولات التي تشهدها العلاقات بين القوى الإقليمية والدولية المعنية بها، في حين يسعى الرئيس التركي إلى الحفاظ على دور إقليمي لبلاده، ويعمل على توجيه الرسائل إلى حلفائه، لا سيما الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، بأنه يملك مروحة واسعة من الخيارات.