«يجب ان تعرقل الولايات المتحدة قدرة حزب الله على القيام بعمليات دولية من خلال زيادة الصراع المذهبي الداخلي في لبنان». هذا ما ورد حرفياً في دراسة ضابط في وزارة الدفاع الأميركية يعمل اليوم في احد أكبر أجهزة جمع وتحليل معلومات استخبارية في العالم
جاء في شهادة مدير الابحاث في معهد بروكينغز دنيال بايمن، أمام مجلس الشيوخ الاميركي يوم 22 آذار الماضي، «ان الطبيعة المذهبية للحرب الاهلية السورية وضعت حزب الله في صفّ اقلية لا تتمتع بالشعبية في العالم العربي. يُشهّر بنصرالله وبحزب الله اليوم من خلال نعته من قبل السنّة بحزب الشيطان». وأضاف في خاتمة حديثه «يجب ان تشجع الولايات المتحدة الرياض على اعادة دعمها لأشخاص ومؤسسات مناوئة لحزب الله في لبنان».
وفي اليوم نفسه قدم مدير برنامج «ستاين» للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن، ماثيو ليفيت، شهادته أمام الكونغرس ركّز فيها على دور دول التعاون الخليجي في زيادة الاحتقان المذهبي من خلال تصنيفها حزب الله منظمة ارهابية ومن خلال سياستها تجاه لبنان «في اطار التوتر المذهبي بين ايران ودول الخليج». وشدد ليفيت، وهو أحد مهندسي قانون العقوبات المصرفية واجراءات الخزانة الاميركية بحق حزب الله، على زيادة الضغط على لبنان لعزل الحزب.
تزويد الأميركيين الحكومة اللبنانية بدعم مالي ومادي لمنع حزب الله من تكريس شرعيّته وشعبيّته محليّاً
أحد القادة في الاستخبارات الاميركية كان قد وضع دراسة عام 2008 خلصت الى ان حزب الله سيكون دائماً الرابح الاول اذا استهدفه الاميركيون وحلفاؤهم بأي عمل مباشر، أما اذا استهدفوا شرعية وجوده وموقعه على نحو غير مباشر، فيمكن آنذاك تسجيل الربح الاكبر للاميركيين وحلفائهم. ويبدو أن هذه الخلاصة انتقلت الى التنفيذ منذ عام 2010 وخصوصاً بعد بدء الحرب في سوريا في السنوات التي تلت، حيث بلغت ذروة الاستهداف غير المباشر لحزب الله ومن خلال التمويل الاميركي للجهود التي تُبذل من أجل «منع حزب الله من استقطاب الشباب اللبناني» (بحسب افادة السفير جيفري فيلتمان امام مجلس الشيوخ الاميركي يوم 8 حزيران 2010)، ومن خلال الحرب النفسية التي تشنها وسائل اعلام عربية ولبنانية بحق الحزب. ولم يتردد فيلتمان في الاعلان جهاراً أمام مجلس الشيوخ الاميركي ان الولايات المتحدة انفقت أكثر من 500 مليون دولار من خلال برامج يو اس آيد USAID وميدل ايست بارتنرشب انيشياتيف MEPI في لبنان لتحقيق ذلك.
استراتيجية من خلال الرياضيات
الدراسة التي وضعها ضابط الاستخبارات في وزارة الدفاع الاميركية دوغلاس فيليبوني هي اطروحة جامعية لنيله شهادة عليا في «التحليل الدفاعي» (Defense Analysis)، وهي بعنوان: «حزب الله: الشبكة ونظام الدعم، هل يمكن ايقافهم؟» (Hezbollah: The Network and its Support Systems, Can They be Stopped” . اما الجامعة فهي مدرسة القوات البحرية الاميركية للدراسات العليا (Naval Postgraduate School)، إحدى اعرق المدارس الحربية في الولايات المتحدة، وقد اسست عام 1909 ويرأسها حاليا الاميرال رونالد روت، الذي تولى منصب المفتش العام لقوات البحرية الاميركية بين 2004 و2007. وكان الرئيس الاميركي السابق جورج بوش (الاب) قد وصف مدرسة القوات البحرية الاميركية للدراسات العليا بأنها «تخرّج أفضل ضباط الجيش الاميركي وأكثرهم ذكاءً».
فيليبوني، الحائز شهادة جامعية في الرياضيات، استخدم التحليل الرقمي في تحديد استراتيجية الولايات المتحدة في مواجهة حزب الله من خلال قياس قيمة المنافع او الخسائر التي تجنيها الادارة الاميركية عبر الخطوات التي تقدم عليها في لبنان. وتعتمد الخلفية النظرية لهذا التحليل العلمي «نظرية الألعاب» GAME THEORY وهي تحليل رياضي بغرض الإشارة إلى أفضل الخيارات الممكنة لاتخاذ قرارات في ظل الظروف المعطاة، تؤدي إلى الحصول على النتيجة المرغوبة. وتحدد الخيارات بالتسلسل من الاكثرها فائدة الى الأقلّها لكل فريق من خلال الظروف القائمة. وبالتالي، حدد فيليبوني خيارات الاميركيين وحلفائهم من الافضل الى الأسوأ على النحو الآتي:
الخيار الافضل (4 نقاط): يتوقف حزب الله عن القيام بأعمال ارهابية من دون ان يستدعي ذلك تدخلا مباشرا حيث ان التدخلات غير المباشرة (نزع شرعية الحزب وشعبيته من دون اصابة مدنيين وتدمير البنى التحتية) تؤتي بثمارها.
الخيار الثاني (3 نقاط): يتوقف حزب الله عن القيام بأعمال ارهابية بسبب قيام الاميركيين بتدخل مباشر (تدمير حزب الله عسكرياً ما يؤدي الى اصابة مدنيين وتدمير البنى التحتية).
الخيار الثالث (نقطتان): يستمر حزب الله بالقيام بأعمال ارهابية بعد قيام الاميركيين بتدخل مباشر (استهداف حزب الله عسكرياً ما يؤدي الى اصابة مدنيين وتدمير البنى التحتية).
الخيار الأسوأ (نقطة واحدة): يستمر حزب الله بالقيام بأعمال ارهابية بعد قيام الاميركيين بتدخلات غير مباشرة (نزع شرعية الحزب وشعبيته من دون اصابة مدنيين وتدمير البنى التحتية). ويشرح فيليبوني أن ذلك قد يكون سببه بطء اتيان التدخلات غير المباشرة بثمارها.
أما خيارات حزب الله، فحددها فيليبوني على النحو الآتي:
الخيار الافضل (4 نقاط): يقوم حزب الله بأعمال شرعية (من خلال الهيئات الاجتماعية والاقتصادية والانخراط في الدولة والدفاع المشروع عن النفس) بينما تقوم الولايات المتحدة بتدخل عسكري يستهدف الحزب مباشرة.
الخيار الثاني (3 نقاط): يقوم حزب الله بأعمال ارهابية لافتعال تدخل أميركي عسكري مباشر ويرعب مناوئيه.
الخيار الثالث (نقطتان): يقوم حزب الله بأعمال شرعية بينما تقوم الولايات المتحدة بتدخل غير مباشر لمكافحته (وفي هذه الحالة يتخلى الحزب عن قدرته لترهيب مناوئيه وعليه ان يعتمد على شعبيته بينما موارده تقل عن موارد الاميركيين وحلفائهم الخليجيين).
الخيار الأسوأ (نقطة واحدة): يخسر حزب الله شرعيته وشعبيته ويستمر بالقيام بأعمال ارهابية بعد قيام الاميركيين بتدخلات غير مباشرة.
بعد عرض خيارات كل من الفريقين ينتقل فيليبوني الى القياس الرقمي (الرقم الاول للأميركيين والثاني لحزب الله). ويطلق على هذا القياس اسم «معادلة ناش» NASH EQUILIBRIUM، ويتبين من خلاله الآتي:
ــــ التدخل العسكري المباشر للاميركيين مقابل الاعمال «الارهابية» لحزب الله هو لمصلحة الحزب بفارق نقطة.
ــــ التدخل الاميركي غير المباشر مقابل الاعمال «الارهابية» لحزب الله لن يأتي بأي نتيجة يمكن ان يستفيد منها اي من الطرفين.
ــــ التدخل العسكري المباشر للأميركيين مقابل قيام الحزب بأعمال شرعية هو لمصلحة الحزب بفارق نقطة.
ــــ التدخل الاميركي غير المباشر مقابل قيام الحزب بأعمال شرعية هو لمصلحة الاميركيين وحلفائهم بفارق نقطتين.
يشرح فيليبوني العناصر الأساسية التي تجسّد التدخل غير المباشر بالآتي: أولاً تزويد الاميركيين الحكومة اللبنانية بدعم مالي ومادي لمنع حزب الله من تكريس شرعيته وشعبيته محلياً، ثانياً استخدام منظمة الامم المتحدة وغيرها من المنظمات المحلية غير الحكومية لتأمين خدمات اجتماعية وتربوية ومهنية لمنع حزب الله من استقطاب الشباب، ثالثاً منع حزب الله من القيام بأعمال دولية من خلال زيادة الصراع المذهبي اللبناني وذلك من خلال تأليف تحالف دولي ضدّ حزب الله المصنّف منظمة ارهابية والتشديد على أن الحزب هو مجرد عميل ارهابي لايران ومن خلال اغتيال قادته العسكريين (صفحة 48 من الدراسة).
من هو دوغلاس فيليبوني؟
دوغلاس فيليبوني هو مندوب وزارة الدفاع الاميركية لدى شركة «بالانتير تكنولوجيز» الاميركية الخاصّة، وهي أكبر مصدر لجمع المعلومات الاستخبارية في العالم. وكان قد كُلّف قبل ذلك بمهمات استخبارية في باكستان والعراق وافغانستان، حيث قاد «عمليات خاصّة للقوات المشتركة» (Joint Special Operations Command). وفي عام 2005 تولّى مهمات استخبارية على الحدود العراقية ــــ السورية وكان له دور في الانتخابات التي جرت في العراق خلال العام نفسه. وجاء في تقرير مشترك وضعته ثلاث شركات للرصد الاستخباري (بالانتير تكنولوجيز وبيريكيو تكنولوجيز وايتش بي غاري فيديرال) عام 2010 ان فيليبوني بصفته القيادية «يدير العمليات الاستخبارية في كلّ مراحلها: يتعرّف على ابرز الارهابيين ويخطط لمهمات قتلهم او القبض عليهم، وينفذ المهمات بنفسه، ومن ثم يستثمر المعلومات الاستخبارية التي تمكن من جمعها ليستهدف من خلالها الشبكات الارهابية». ويضيف التقرير انه عمل مع هيئات محلية وبعض قادة العشائر في منطقة الرمادي في العراق وساهم في بناء مدارس ودعم مستشفيات وبعثات المساعدات الطبية.