اعتاد المجتمع اللبناني على حالات "القتل"، فنحن نعيش في منطقة مليئة بالحروب والنزاعات، ولكن، لقصص "الاغتصاب" وقع مختلف، إذ سرعان ما يتبادر الى الذهن ان "حيوانا" بشريا يأكل من لحم شخص بريء. قد يكون هذا التوصيف هو الأكثر دقّة.
في العام الماضي أقدم إبن الـ15 عاما على اغتصاب الطفل محمود محمد العاصي الذي يبلغ من العمر 9 سنوات فقط، وقتله. وقبل يومين، أقدم سوريان يبلغان 14 عاما على إغتصاب طفل يبلغ من العمر 11 عامًا في بلدة مجدليّا في قضاء عاليه. وقد نذكر حالات كثيرة مشابهة، تتمحور كلها حول اغتصاب الأطفال للأطفال.
قد يقول البعض ان الاغتصاب هو نفسه مهما اختلفت "أشكال" و"اجناس" الضحايا، ويرى آخرون ان "للاغتصاب" انواعاً بحسب طبيعة الشخص، مع التأكيد ان كل الحالات تبقى اغتصابا يستوجب العقاب الشديد. ولكن ماذا يعني ان يكون المغتصِب طفلا، والبريء المغتصَب طفلا أيضا؟
من سلبيات التطور
يرى الاختصاصي في علم النفس العيادي نبيل خوري أن "المجتمع اللبناني قد تغيّر، ولم تعد القواعد الأخلاقية قائمة كما كانت سابقا، ما معناه ان الروادع اصبحت أقل من الحوافز"، مشيرا في حديث لـ"النشرة" الى ان "الانترنت وبعض الامور الاخرى المتعلقة بالتلفاز، وطبيعة الافلام المعروضة وتعظيم دور المجرم، كلها أمور ادّت الى مشاهدات قبل أوانها لدى الأطفال، دون وجود أي توجيه من المعنيين".
من جهته يلفت الشيخ حسين الخشن الى انه "اذا تم البحث عن الاسباب النفسية والاجتماعية والتربوية لظاهرة اغتصاب الاطفال للاطفال، سنكتشف أن من ابرز الدوافع هو ما نجده من فوضى في ما يتصل بالموضوع الجنسي، والانفلات في هذا الاطار من خلال سهولة وصول "الفتى" الى الأفلام الإباحية"، مشيرا الى انه في بعض الحالات قد نجد ان هذه الاباحية هي من تقتحم حياة الاطفال من خلال الاجهزة الالكترونية ووسائل التواصل التي يمتلكونها، كاشفا أن "هذا الامر يؤدي الى استيقاظ الرغبات الجنسية قبل اوانها". وفي هذا السياق يشدد خوري على ان "الغريزة لدى الاطفال بعمر 14 عاما تكون عالية الوتيرة، وبالتالي فإن انتفاء الموانع وزيادة الحوافز ستدفع بالطفل للقيام بأعمال لا يقدر عواقبها ومنها الاغتصاب".
الظاهرة الخطرة والكبح
"علينا دق ناقوس الخطر ولا بد ان يرفع الصوت عاليا"، يؤكد الشيخ الخشن. ويشير الى ان طريقة المعالجة تبدأ من خلال الحؤول دون وصول الفتى الى مسائل الاثارة بطريقة سهلة، والخطوة الاخرى تكون بالاستنفار الثقافي والتربوي سواء كان يتعلق بالمدرسة والمعلمين او الاهل الذين لهم الدور الرئيسي في متابعة ابنائهم، والتعرف على رفاقهم عملا بالمثل القائل "قل لي من تعاشر اقل لك من انت".
من جانبه يرى خوري ان "الانترنت" المتفلّت سيؤدي لزيادة هذه الظاهرة في المستقبل، مشددا على دور الدولة والوزارات المعنية في ضبط ومراقبة الانترنت. ويضيف: "للاهل دور اساسي والتربية يجب ان تقع على عاتقهم لا على عاتق عاملة المنزل، فواجبهم السهر على تحصين أبنائهم وتعليمهم كيفية احترام الجسد، واحترام أجساد الاخرين".
أخيرا يدعو الشيخ الخشن رجال الدين الى اعتماد اللغة المحببة التي تفتح قلوب الجيل الصاعد على الايمان بالله واليوم الاخر، والابتعاد عن الاسلوب التنفيري المتشدد الذي يبالغ بالحديث عن عذاب الله، والذي قد يؤدي الى ردات فعل عكسية من قبل الاطفال والشباب. ويضيف: "علينا ان نحتضنهم بخطاب ديني محبب يجعل الايمان مسألة مربية لهم"، مشيرا الى ضرورة التفكير في كيفية مواجهة الغزو اللا اخلاقي للاطفال عبر وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والانترنت والتكنولوجيا الحديثة.
شقان اساسيان يتمحور حولهما "سبيل" المعالجة، الشق الاول يتعلق بالتربية المنزلية، بحيث من واجب الأهل تثقيف الطفل ومراقبته عن بعد دون التضييق عليه وخنقه، وتعليمه كيفية التعامل مع الآخر، وضبط عملية الولوج الى عالم الانترنت لما قد تشكله من مخاطر عظيمة. أما الشق الثاني فيتعلق بالدولة والمشرعين، فزيادة الموانع تقلّل الحوافز، لذلك لا بد من اقرار قوانين صارمة تحمي الجميع، من الذكور والاناث، الصغار والكبار، من جرائم الاغتصاب الآخذة بالانتشار، كي لا يأتي اليوم الذي يصبح فيه كل أطفالنا "مشاريع ضحايا الاغتصاب".