سامي الجميل وجبران باسيل اسمان لمعا في عالم الوراثة العائلية التي كادت تطيح بحزبيهما عند اول استحقاق، وفق مصادر كتائبية من الحرس القديم، التي تقول ان وراثة الاول لحزب «الله ـ الوطن ـ العائلة» طبيعية بالنسبة لحزب «الكتائب اللبنانية» الذي تعاقب على رئاسته ورثة آل الجميل ما خلى بعض المحطات التي اطاحت هذا التقليد لاكثر من مرتين بسبب عوامل خارجة عن ارادتهم فرضها الامر الواقع السوري.

ففي الشكل لهذه الوراثة كان المشهد ديموقراطياً، تضيف المصادر، لكنه «ممسرح»، فالاول حصل على «الكتائب» بانتخابات شبه تزكية، فيما الثاني وصل مباشرة عبر هذه التزكية بعدما استعمل الجنرال كاسحة الالغام خاصته تمهيداً لوصول آمن لصهره، وبذلك يكون «التيار الوطني الحر» خطى خطوته الاولى على طريق «الوراثة الحزبية».

لكن في ظل سلبيات عمليتي وصولهما، فان بعض الهدوء مطلوب لاعادة تقييم الرجلين بعيداً عن الانفعالات العاطفية، بحسب المصادر، ودروس العفة المنتشرة على صفحات التواصل الاجتماعي ويتساءل المعترضون الذين يتهامسون في الخارج فيما انصياعهم يظهر كاملاً كل يوم اثنين في الصيفي، فـ «الكتائب كبيرة كما قلبها، يتسع لألف صديق، فكيف يضيق بابنائه المعترضين؟ لكن لكل ثرثرة نهاية واسكاتها يلزمه المنطق وليس سوى المنطق ومن خلال كل ذلك تسأل ماذا فعلت ديموقراطيتهم المنشودة خلال المرحلة الماضية؟ فهم ادخلوا الحزب في المتاهة والبسوه ثياباً ليست على مقاسه ولا تليق بمظهره التاريخي، كالانفتاح العروبي «على عماه» الذي كان رائده الوزير السابق كريم بقرادوني من خلال ادخاله «الكتائب» الى سوريا وتركه هناك كـ «رابطة الشغيلة» يتيماً، والانكى ان بقرادوني استقال من الصيفي لينتقل الى الرابية كاستاذ محاضر في صبحيات السبت الدورية عله يجد حضناً دافئاً، يعيد الحياة الى عروق المجد السياسي الغابر للقواتي الكتائبي الذي كان يتنقل بخفة وحنكة بين ابناء البيت الواحد.

وتعيد المصادر الكتائبية المعارضة شريط ذكريات العهود السابقة ومنها حين تولى رئاسة الحزب ايلي كرامة عام 1984، حينها فصل عضوي المكتب السياسي ادمون رزق ولويس ابو شرف بسبب اعتراضهما على مساهمة الرئيس امين الجميل في اسقاط رئىس مجلس النواب آنذاك كامل الاسعد وانتخاب حسين الحسيني خلفاً له، فكان خروج رزق وابو شرف بعد 32 عاماً في خدمة حزب الكتائب له وقعه.

ورغم كل ذلك تؤكد المصادر ان الحزب كاد في العهود التي تولاها كرامة وجورج سعاده، ان يقع فريسة ضعيفة في براثن «القوات اللبنانية» ولولا حنكة جورج سعاده لكان الحزب اليوم في قبضة معراب.

هذا الكلام وفق المصادر ليس لنكء جراح الماضي، بل هو رد على المتطاولين في العلن وفي الخفاء. ففي الامس القريب كان الوزير سجعان قزي رأس حربة في اعلام حزب «القوات اللبنانية» ومن ثم تنقل بين القوات والكتائب الى ان استقر في الصيفي، رغم ان تمرد قزي صديق الرئيس بشير الجميل وملهمه في الخطب الرسمية ورفيقه في التمرد، حين غادر معه الحزب بعدما رفضا قرار دخول الجيش السوري الى لبنان، واسسا اذاعة «لبنان الحر».

ولكن رغم الذكريات التي يعتبر معظمها اليماً تقول المصادر، لا سيما ان نسبة كبيرة من المعارك خاضها الحزب داخل جدران بيته، فالكتائب ليست ظرفاً طارئاً، بل هي نضال انطلق مع المؤسس بيار الجميل ولم يحالفه الحظ ليتربع على الكرسي الحفيد بيار، لكنه سيدوم مع الخلف سامي الجميل الذي كان قد اختار فيما مضى طريقاً آخر وهو «لبناننا» الذي خاض مع اعضائه جولات وصولات، لكنه عاد الى حضن المدرسة الكتائبية، وخياراتها الصحيحة.

فالرئيس الاعلى امين الجميل استلم حزباً كان تائهاً، تقول المصادر، في خياره الاستراتيجي ليعيده الى سياقه الوطني، والعملية الانتقالية التي استلم فيها نجله سامي تبقى اكثر شفافية من الانقلابات التي مرت على الحزب، ومنها تطويق اذاعة «صوت لبنان» ومصادرة جريدة «العمل» واحتجاز الرفيق جوزف ابو خليل في منزله.

وتنهي المصادر الكتائبية المعارضة كلامها: في فمنا ماء احتراماً والتزاماً بالتعليمات الصارمة بأن الوقت حالياً للعمل وليس للثرثرة، لكن التمادي في اطلاق الاتهامات وبثها بطريقة الحقن المسمومة يدفعنا الى بق بعض الحصى، خصوصاً ان في فمنا الكثير الكثير منها.

كلام الرابية لا يقل حدة عن تعليقات الصيفي، فكما السهام «المسمومة» انطلقت صوب الشيخ سامي، فانها ذاتها انطلقت ضد الوزير جبران باسيل وان اختلف مطلقوها.

احد «العونيين» المتفلتين من اي قيد حزبي يقول بالصوت العالي : الافضل لاحد في تأسيس التيار سوى للجنرال، فالناس اجتمعت وايدت وانضوت لان عون هو قائدها، وكان يخوض معاركه العسكرية والسياسية والشعب من ورائه دون ان يسأله، فلماذا يسألونه اليوم في ترتيب حزبه وتياره؟ الجمهور الذي احب الجنرال في «حروب التحرير» ورفع معه شعار «يسحقونني لكن لن يأخذوا توقيعي» لم يطالب في ذلك الزمن العصيب بالديموقراطية، فرغم التأييد المطلق والوكالة العمياء من شعب الجنرال العظيم، اكد المصدر العوني المعارض ان عون ابى الا ممارسة الديموقراطية لاستمرار حزبه لاجيال واجيال، لكن البعض وجد في الممارسة الشفافة والصحية منصة لاطلاق النار، فكانت النار الصديقة أشد ايلاما من صليات المدفعية في حروب التحرير. وسأل العوني المتفلت من اي قيد حزبي، ما اقدم عليه البعض هل هو لصالح التيار الذي يخوض اولى تجاربه الانتخابية أم عمل انشقاقي لن يعيد الامور الى نصابها؟ فلماذا لم تتم المعالجة من الداخل بدل الخروج الى الاعلام ويخسر التيار بعض الوجوه الطيبة والفاعلة؟ سؤال نضعه في ميزان المحاسبة والمساءلة.

ويضيف المصدر ان الجنرال كان وسيكون قاضي الامور المستعجلة في التيار الذي نشأ برعايته وهو لن يبخل بالعدالة لو احسن المعترضون اللهجة والصراخ.

لكن ما فات قد فات وانتهى والجنرال سيبقى القائد الاعلى للتيار ان برئاسة باسيل ام برئاسة غيره.

وينهي العوني المعارض كلامه، فليعد الجميع الى صوابهم وليتذكروا ان العماد عون هو البداية لهذا التيار ولهذا الجمهور، لذا وتعزيزاً للثقة به نكرر : دعوا الجنرال يعمل فهو ادرى بتياره وبشعابه.

وهكذا ينتهي الكلام الكتائبي والعوني على قاسم مشترك بان الاحزاب في لبنان هي صنيعة نهج اختاره القائد وتبقى رهينة مؤسسها ونهجه، لان من اعطاها الشرعية الحزبية هو وحده الكفيل بانعاشها وديمومتها، فـ «الكتائب» لم يستقر كحزب فاعل الا عندما استعاده ابن المؤسس، ومثله التيار الوطني واية محاولة اعتراضية تبقى كهؤلاء «الفرسان» الذين حاربوا طواحين الهواء دون جدوى.