لا تشبه قصّة زاهي سالم المطرود من كازينو لبنان في إطار الـ191 موظفاً الذين صُرِفوا العام الماضي أيّ قصّةٍ أخرى... فسالم حسب ما قيل خرج من الكازينو بعد سنوات من الخدمة أمضاها حاملاً معه ورقة تفيد بأنه غير منتج.
تكمن الحقيقة بحسب سالم في مكان آخر، اذ يروي لـ"النشرة" طريقة تعاطي الإدارة مع الموظفين غير المحسوبين عليها وطريقة التضييق عليهم الى حين سمحت لها الفرصة وتخلصوا من غالبيتهم والذين عاد قسم منهم الى العمل بعدها". ويشير الى أن القصّة معه بدأت حين كان مقرباً من مدير المشاريع الخاصة أكرم ناهض، فقد حضر الأخير في العام 2012 وطلب منه أن يستلم قضية المازوت لأنه أراد التخلص من الموظف المسؤول في ذاك المنصب حينها، ومؤكداً له أنّه في هذا المنصب يستطيع شراء بدل الشقّة مبنى كاملا، "ولكنني رفضت العرض حينها، فلم يعجب قراري الإدارة".
رفض العمولة
يشير سالم الى أن المشكلة كبرت بينه وبين الإدارة حتى وصلت الى حدّ أن رئيس مجلس الإدارة أراد طرده من العمل، ولكن بعد تدخلات عدّة حصلت نقل من قسم المطبخ الذي كان حميد كريدي ينوي توظيفه فيه الى قسم الخدمات كعقاب له، ويقول: "طلبت أن يضعوني في قسم شؤون الموظفين كوني خبير في هذا المجال ولكنهم رفضوا فوظفت في قسم الخدمات حيث لا عمل لي".
يروي سالم كيفية إجراء بعض الصفقات في الكازينو، متطرّقاً الى "مسألة التهوئة مثلاً التي تجرى عليها مناقصات لتلزيمها"، ويشير الى أن "كريدي كان وقبل يوم من إجرائها يرسل بطلب ناهض ويطلب منه تسمية شركة معينة ولو كان سعرها أغلى من سواها ثم يحصل الأخير بعدها على العمولة"، لافتاً الى أنه "إكتشف الموضوع يوم وجد في حوزة ناهض مجموعة "شيكات" موقّعة من الادارة لم يعرف سببها فسأل طوني فريحة المسؤول في الإدارة عنها فكان جوابه انها وصلت لناهض عن طريق الخطأ وسيعيدها"، ويضيف: "بعد أن تم صرفي من العمل مع ورقة غير منتج لم أجد سبيلاً إلا الهجرة خارج لبنان، ومنذ ذاك الحين وأنا يومياً اتناول ما حصل معي في الكازينو عبر حسابي الخاص على وسائل التواصل الاجتماعي وتعرضت للتهديد لأسكت".
صرف ظالم
طوني فهد شخصٌ آخر من الـ191 المصروفين، هو الذي أمضى أكثر من عشرين عاماً في خدمة مؤسسة كازينو لبنان ليخرج منها حاملاً وثيقة مكتوب عليها "غير منتج" رغم أنه لم يحصل على أي إنذار طيلة فترة عمله، ويشدّد على أن "الإدارة وضعت العديد من الموظفين في موقع غير منتج لاستبدالهم بموظفين تابعين لها في أمكنة حساسة".
ويؤكد فهد أن "معظم الذين صرفوا كانوا منتجين ولكن تم التضييق عليهم ونقلهم من مكان عملهم الى مكان آخر لصرفهم"، ويضيف: "في المنطق العملي لا يعقل أن يكون الموظف غير منتج ولا يحصل على إنذار"، ومتسائلاً: "إذا كان هذا الامر صحيحاً فأين كانت الإدارة في السنوات الماضية، وهل استفاقت الآن؟! وهل يُعقَل أن يصرف موظف غير منتج حاملاً معه مئتين وخمسين ألف دولار كهديّة لعدم إنتاجيته؟!"
توظيف عشوائي
يشير فهد الى أنه "في عهد حميد كريدي تم إدخال حوالي الاربعمئة موظف في قسم gaming وnon gaming، وهؤلاء كانوا مياومين سابقاً إضافة الى الموظفين"، لافتاً الى أنه "أًصبح هناك تفاوت في الرواتب بينهم وبين الموظفين القدامى"، مشيراً الى أن "الإدارة أرادت تثبيت 250 موظفاً منهم على مراحل ولكن وعندما أتى أول إستحقاق للتثبيت كانت الشركة في عجز فصرفوا 191 موظفاً أغلبهم منتجون"، ويشير الى أن "المنتفعين من الصرف هم من لهم خمس وست سنوات في العمل ولم يروا الكازينو".
إعادة موظفين للعمل
هكذا، طويت صفحة 191 عاملاً خرجوا من المؤسسة، يحمل كلٌ منهم مبلغاً لم يكن ليحصل عليه حتى ولو أمضى سنوات عمره في الخدمة... 250 الف دولار كبدل عن "عدم إنتاجيتهم"! وهنا تسأل مصادر متابعة: "كيف لمؤسسة أن تطرد عمالاً "غير منتجين" بحسب ما ادّعت، وما جاء في أوراق نهاية الخدمة، وتعطيهم مكافأة عن سوء إدارتهم للعمل هذا المبلغ الكبير؟! وهل الهدف فعلاً تخفيف المصاريف عن الكازينو أم لأسباب أخرى يعرفها المعنيون فقط؟!"
وهذا ليس كلّ الكلام، فبعد تشكيل اللجنة المكلفة درس أوضاع العمال الذين تم صرفهم قاموا بإعادة حوالي 48 الى العمل. وهنا تشير مصادر مطّلعة الى أن "هذه اللجنة أعادت عمالاً ومنهم ط. ل. ور. ص.، وأكد أحد أعضاء مجلس الإدارة أنه يجب إستعادة الأموال التي تقاضوها في الفترات السابقة"، وتضيف: "من بين الذين أعادتهم اللجنة أيضا الى العمل أحد الاشخاص المسافرين الى أستراليا ويدعى ر. م. وهو لم يحضر الى لبنان منذ مدّة".
فضيحة التقرير
ولكن الفضيحة الأكبر لا تكمن في هذا كله بل في تقرير الشركة المالية التي تشرف على الكازينو "ديلويت اند تاتش" والذي حصلت "النشرة" على نسخة منه. والملاحظ فيه أن "أرباح كازينو لبنان ومنذ تاريخ تولي حميد كريدي رئاسة مجلس إدارة كازينو لبنان في العام 2011 بدأت بالتدنّي فبعد أن كانت 83,418,080 ليرة لبنانية وصلت في العام 2014 الى 17,591,114 ليرة لبنانية فـ11,412,200 ليرة لبنانية في العام 2015، و"الفضيحة" تكمن في خلاصة التقرير التي كشفت أن "نتائج عام 2015 المالية على كازينو لبنان كانت سلبية نتيجة تعويضات صرف من الخدمة لانهاء خدمات عدد من فائض الموظفين بلغ 40,8 مليار ليرة"، ما يعني بحسب المصادر أن "صرف مبلغ مالي كالذي صرفته المؤسسة لطرد الموظفين لتخفيف الأعباء على الكازينو أدى الى خسارتها المليارات"، وتضيف: "هذا الطرد العشوائي الذي لم يفهم أحد سببه لم يخفّف الأعباء بل زادها خصوصاً بعد توظيف قسم جديد من العمال"، وتسأل: "هل يحق للإدارة أن تهدر أموال المؤسسة وكذلك أموال الدولة كونها شريك في الكازينو وبالتالي أموال اللبنانيين بهذا الشكل؟!"
"النشرة" تضع شهادات الموظفين وكذلك التقرير المالي أمام الرأي العام وهو الذي يدحض كل الأقاويل عن أن صرف الموظفين جاء نتيجة أزمة، فالواقع أن الأموال التي تقاضاها المصروفون هي التي زادت الأزمة الماليّة للكازينو وساهمت في خسارته المليارات. ويبقى السؤال: أين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من هذا الموضوع خصوصاً بعد صدور هذا التقرير المالي الذي يثبت حجم صفقة طرد عمال وصلوا الى ما هم عليه نتيجة ممارسات الادارة بحقهم كما يقولون؟!