دعا رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم الى عدم الاستغراب إن حصلت تطوّرات مهمة بالنسبة الى الأزمة السورية خلال الأشهر الستة المقبلة. وجاء كلام يلدريم قبل زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لروسيا ولقائه بنظيره فلاديمير بوتين ومناقشة الأزمة السورية معه بكلّ تفاصيلها، ثمّ لقائه بوزير الخارجية الايراني جواد ظريف الذي زار أنقرة عاجلاً للاطلاع على نتائج المحادثات التركية ـ الروسية وفرص التنسيق الثلاثي التركي ـ الروسي ـ الإيراني في إيجاد مخرج عاجل لتلك الأزمة.ما يقوله يلدريم هو أنّ تركيا منزعجة من استمرار التمدّد الكردي في شمال سوريا في اتجاه حدودها القريبة من جرابلس والباب ومارع، وكلها كانت خطوطاً حمر لوقوعها في غرب الفرات، وأنّ واشنطن هي التي فتحت الطريق أمام القوات الكردية للوصول اليها.
فهل يعني ذلك أنّ أنقرة ستدخل في تفاهم وتنسيق مع روسيا وإيران للرد على الاستفزاز الأميركي، وأنّ هذه المفاجات ليست بالضرورة مفرحة لواشنطن وقوات حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي الذي يريد سريعاً منفذاً بحرياً على المتوسط يخدم مشروع الدولة الكردية الكبرى في سوريا والعراق وتركيا وإيران؟
ما فُهِمَ من كلام يلدريم ايضاً احتمال ولادة التنسيق العسكري التركي ـ الروسي الأميركي في سوريا للمشاركة المباشرة في الحرب على «داعش» بهدف قطع الطريق على احتكار أميركا لها بالتنسيق مع أكراد سوريا، وستشهد الأسابيع المقبلة تدخّلاً عسكرياً ثلاثياً لإنهاء الوجود الداعشي والسيطرة على أماكنه في المناطق الحدودية التركية ـ السورية وهو ضمان تريده أنقرة قبل الدخول في أيّ نقاش حول مسار الأزمة السورية ومستقبلها والمرحلة السياسية الانتقالية فيها.
بين رسائل يلدريم غير المعلنة قرار الرد التركي على مشروع التقارب الأميركي ـ الروسي في التعامل مع ملف الأزمة السورية الذي اقترحته واشنطن في الاشهر الاخيرة وقبول أن تكون إيران ايضاً جزءاً من هذا التحرك الثلاثي الجديد عبر البوابة الروسية، فسارع أردوغان للرد عليه عبر رسالة التصالح مع بوتين ليكون الرد كما يرى عددٌ من المحللين والخبراء الاتراك توجيه ضربة حاسمة لحزب «العدالة والتنمية» بتشجيع جماعة فتح الله غولن على تنفيذ انقلابها العسكري في إطار صفقة التغيير السياسي الكامل في تركيا والذي لقي رداً تركياً آخر أحبط المخطط الأميركي اولاً، وفتح الطريق أمام التفاهمات الروسية الإيرانية التركية ثانياً، ووتّر العلاقات التركيةـ الأميركية والتركية ـ الأوروبية حيث لم يستوعب كثير من العواصم الغربية حتى الآن التطوّرات الإقليمية المتلاحقة التي أحبطت رهانها على إخراج حزب «العدالة والتنمية» وتركيا المشاغبة في أكثر من مكان من المشهد الاقليمي .
لكنّ يلدريم يعرف أيضاً أنّ إنجاز المفاجآت في سوريا يحتاج الى الثقة الكاملة بموسكو وطهران وعدم تخلّيهما عن تركيا تماماً كما حدث مع الغرب أخيراً، وأنّ واشنطن لن تبحث عن بدائل إحباط هذا التحرّك الثلاثي، وأنّ شركاء تركيا الإقليميين سيعطونها هذه الفرصة للمغامرة على هذا النحو وهي مسألة ليست بمثل هذه السهولة والبساطة.
التفاهم الأميركي ـ الروسي ثمّ الروسي ـ الإيراني وبعدها الإيراني ـ التركي والتركي ـ السعودي ضرورات لا بدّ منها قبل الحديث عن الحلّ في سوريا، فهل هذا ما يشير اليه يلدريم وهو يقصد هنا أنّ زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن المرتقبة لتركيا هي لفتح الطريق امام هذا التحرك الإقليمي والدولي الجديد الذي لن ينتظر موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية ويريد أن يعطي أوباما وحزبه فرصة انتخابية مهمة قبل توجّه الأميركيين الى صناديق الاقتراع؟
يلدرم يتحدث عن مفاجأة محتمَلة في سوريا، لكنّ القوات الكردية بالتنسيق مع الإدارة الأميركية تواصل السيطرة على مزيد من الأراضي شرقاً وشمالاً، فأيّ مشروع هو يُقتل فيه العشرات يومياً من المواطنين السوريين العرب في شمال غرب سوريا نتيجة الإحداثيات الخاطئة التي تقدّمها كوادر الحزب الكردي الى المقاتلات الأميركية تحت عنوان الحرب على تنظيم «داعش» المحاصر هناك؟
ويبدو أنّ معاوني يلدريم لا ينقلون له كلام الأمبن العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي كرّر أن لا خيار آخر امام حزبه سوى البقاء في الساحات والمدن السورية للدفاع عن الحليف بشار الأسد ونظامه، أم أنّ أنقرة تعطي الأولوية للضمانات الإيرانية وما قاله ظريف لها بعد 3 ساعات من الخلوة الثنائية مع الرئيس التركي؟
القرار بمراجعة السياسة الخارجية التركية أفرح البعض وأقلق البعض الآخر في المنطقة على رغم الصدمة التي تسبّب بها بسرعة الاستدارة والانطلاق.
هناك مَن يقول إنّ تركيا لم تخرج من العاصفة بعد، وإنّ أردوغان فشل في لعبة الديموقراطية ويقود البلاد نحو المجهول، لكنّ هناك مَن يقول أيضاً إنّ احترام إرادة الملايين الذين يهتفون اليوم لمَن أنقذ بلادهم في اللحظة الأخيرة من كارثة أمنية وسياسية واقتصادية ضرورة في منطقة يتعثّر فيها احترام أبسط حقوق المواطن في اختيار قياداته السياسية التي تحوّلت مساومات وصفقات وترضيات للاعبين من الخارج.