عندما يتذكر إرهابيون من العيار الثقيل تلطخت أيديهم بدماء ضباط وعسكريين في الجيش اللبناني، أن هناك دولة وأجهزة أمنية ومؤسسات قضائية يجب العودة اليها بعد تسليم أنفسهم كي تأخذ العدالة مجراها، ليس في الأمر صدفة. وعندما يتسابق إرهابيو أحمد الأسير الى التواصل تارةً مع إستخبارات الجيش وتارةً أخرى مع جهاز الأمن العام، بهدف تسليم أنفسهم، أيضاً وأيضاً ليس في الأمر صدفة.
نعم، لم يخرج نجل شقيق الإرهابي أسامه الشهابي من مخيم عين الحلوة ليسلم نفسه لأنه بات يؤمن بمنطق المؤسسات، ولم يسلم شقيق الإرهابي فضل شاكر نفسه نتيجة صحوة ضمير وكذلك بالنسبة الى العشرات من إرهابيي أحمد الأسير.
إنها رياح التسوية السياسية القضائية التي دفعت بهؤلاء الى القيام بما قاموا به، على رغم تورطهم بجرائم تبدأ بالإنتماء الى تنظيم فتح الإسلام وتنظيم جبهة النصرة وجماعة الأسير، ولا تنتهي عند تنفيذ عمليات إرهابية ضد الجيش اللبناني إضافة الى قتال وقتل ضباط وعسكريين في صفوفه. هي رياح التسوية التي تتخوف منها المصادر المتابعة، والتي بدأ الحديث عنها في الكواليس، بهدف تسوية أوضاع هؤلاء المطلوبين الذين فروا من وجه العدالة لسنوات وسنوات الى الجزيرة الأمنية المسمّاة مخيم عين الحلوة.
وفي المعلومات لقد تلقى هؤلاء تطمينات سياسية من فريق لطالما تعاطف معهم، بتخفيف عقوباتهم وأحكامهم التي ستصدر عن المحكمة العسكرية مقابل أن يسلموا أنفسهم الى الأجهزة المعنية، وفي معرض تلك التطمينات، أعطى الفريق السياسي الذي ينصب نفسه عراباً لهذه التسوية، أمثلة عدة عن موقوفين في أحداث طرابلس كقادة المحاور سابقاً وغيرهم، وعن موقوفين من جماعة الأسير، صدرت أحكامهم مخففة ثم خرجوا من السجن وعادوا الى حياتهم الطبيعية.
وفي هذا السياق، تستغرب مصادر قضائية رفيعة المستوى أن يتم تشبيه المتورطين بمعارك جبل محسن وباب التبانة بمطلوبين كبار متورطين بحرب مخيم نهر البارد التي سقط فيها 173 شهيداً من الجيش، أو بمتورطين بمعركة عبرا الشهيرة التي ذهب ضحيتها 17 شهيداً بين عسكري وضابط، وتسأل، هل هناك من تسوية تُطبخ في الكواليس على دماء الشهداء؟ ومن هو هذا القاضي الذي سيسمح له ضميره بكتابة الأحكام التخفيفية لهذه التسوية وهو على علم ودراية بأن الذين سيخرجهم من السجن، قد يعودون الى قتال الجيش من جديد في أول فرصة تسمح لهم بذلك، وقد يقتل بنتيجة قتالهم هذا مدنيون، وقد يكون من بين المدنيين الضحايا، أحد والديه أو إبنه أو إبنته او حتى القاضي شخصياً؟
هذه التسوية وفي حال كتب لها النجاح، من المتوقع أن يتم التصدي لها عبر تحركات شعبية في الشارع، ينفذها أهالي شهداء الجيش، للضغط أولاً على قيادة الجيش وثانياً على القضاء والسياسيين، بهدف عدم تمريرها نظراً الى خطورتها والى ما تحمله في طياتها من تشجيع للإرهابي على تكرار تفجيراته وأعماله التي لا تمت الى الإنسانية بصلة، ما دامت الأحكام المخففة في إنتظاره.