لم تعد قضية الفساد في لبنان أمراً مستغرباً أو جديداً يمكن أن يهزّ صورة المسؤولين في الدولة، الذين وبعد التحقيق في كلّ ملف نجد أن أغلبهم على علم بها سواء عبر غض النظر عنها او المشاركة فيها. هذه هي حال كازينو لبنان، هذا المرفق السياحي العام الذي بات يشبه وضعه مغارة "علي بابا والأربعين حرامي"، حيث فاحت منه روائح السمسرات وتراكمت فيه ملفات الفساد، وهذا الأمر يعود الى سنوات سابقة، وتحديداً منذ سنة 2011 وربما لغاية اليوم.
كثيرة هي ملفات الفساد في الكازينو، بقيت طيّ الكتمان بين جدران ذاك المكان وفي أروقة الموظفين لتخرج اليوم الى العلن، فتتكشف فضائح "سرقة" وهدر مال عام في مرفق هو الأهم من بين المرافق السياحية في لبنان.
تفتح "النشرة" ملفًّا قديما بفساده وهدره في الكازينو على مصراعيه، وجديدًا ترافقه الأدلة والوثائق لتكشف للرأي العام بعضاً من أساليب السرقة المحترفة والمخالفات... وبالتالي فإنها ستتطرق الى عدّة قضايا أولها سرقة شحنة المازوت التي يعود تاريخها الى العام 2012.
بتاريخ 3 تموز 2012 أرسل المدير الاداري ومساعد الرئيس ومدير الشؤون الموظفين نضال مجاعص كتاباً الى رئيس مجلس إدارة كازينو لبنان حميد كريدي كتاباً موضوعه "التلاعب في استلام المازوت"، وقد جاء فيه: "وردني من مصدر خارج كازينو لبنان، بعد أن كان الكازينو قد طلب يوم السبت 16/06/2012 من شركة هيبكو صهريج مازوت لتفريغه في خزاناته، وهو يحمل رقم 35554347، إلا أنّه لم يذهب الى الكازينو بل تم تفريغه في مكان ما. ولما يكن الأمر واضحا بدأت الاستقصاء وتبيّن بعد مراجعة تسجيلات الكاميرا المسلّطة على الموقع في هذا التاريخ عدم حضور الصهريج الى الشركة، رغم وجود فاتورة رقم 03/3240 بقيمة 22,616,057 ل.ل وايصال تسليم رقم 10/742 بتوقيع الموظفين روني نصر وتوفيق غصن".
بتاريخ 4 تموز 2012، ردّ كريدي على كتاب مجاعص، مؤكداً تشكيل لجنة قوامها من الأخير والعميد المتقاعد ميشال شكور، العميد المتقاعد منير عقل، مدير المشاريع الخاصة أكرم ناهض ومهمتها التحقيق بموضوع فاتورة شراء مازوت بتاريخ 16/06/2012. "النشرة" حصلت على نسخة من التحقيق كاملاً الذي أجرته اللجنة المؤلفة من المدراء الأربعة المعيّنين من كريدي، وفي خلاصته أنه "وبعد إجراء التحقيق بموجب المحضر رقم 1/2012 إدارة بتاريخ 05/07/2012، تبيّن لنا بأنه ورد الى قسم المشتريات والقسم الإداري إذن بتسليم رقم 10/742 وفاتورة رقم 03/3240 بتاريخ 16/06/2012 وقيمتها 22,616,057 ل.ل، موضوع تفريغ صهريج رقم 354347 حمل 18,236 ليتر في خزانات الكازينو واردا من شركة هيبكو، كما تأكّد عدم حضور أي صهريج بهذا التاريخ استناداً الى تسجيلات المراقبة. وتبين لنا من اطلاعنا على جميع اذونات التسليم والفواتير منذ 16/06/2012 وحتى 09/07/2012 انها مطابقة باستثناء تاريخ 16/06/2012 حيث يوجد فاتورة وإذن تسليم دون حضور الصهريج الخاص بالفاتورة، وتاريخ 05/07/2012 حيث هناك صهريج إنما دون وجود أي مستند (إذن تسليم فاتورة) حوله، مما يعني أنّه استُبدِل بعد صدور مذكرة تشكيل اللجنة بيوم. كما تبين أن عملية التسليم لم تكن تحصل بحضور الموظفين روني نصر وتوفيق غصن". وطالبت اللجنة في خلاصة تحقيقها "بالتوسع بالتحقيق واستيضاح شركة "هيبكو" حول تاريخي 05/06/2012 و06/06/2012، استمرار في توقيف أو صرف الفواتير الموقوفة، محاسبة الموظفين روني نصر وتوفيق غصن بما ترونه مناسباً".
بنتيجة ذلك، قام كريدي وبحسب مصادر مطلعة "بإرسال كتاب الى شركة "هيبكو" أبلغهم فيه بأن "الفاتورة التي تحمل رقم 03/3240 تاريخ 16/06/2012 والتي ورد فيها تسليم مازوت كمية 18,236 ليتر (ثمانية عشر ألف ومئتين وثلاث وستون) بقيمة 22,613,570 بموجب اذن تسليم رقم 10/742 بواسطة صهريج رقم 354347 هي غير متوجبة علينا وذلك بسبب ما تعلمون عن قضية عدم تسليم الشحنة العائدة للفاتورة"، مطالبا بـ"ابراء ذمة الكازينو بالنسبة لتلك الفاتورة". لم ترضخ شركة "هيبكو" لهذه المسألة بل عادت وأرسلت كتاباً الى الكازينو أشارت فيه الى أنها "سلمت واستلم الكازينو كميات المحروقات الموضوعة في الفاتورة وذلك بحسب أحد المندوبين المحدّدين من قبلهم وذلك بعد تحقيق اداري اجرته هي داخلياً بعد توقيع المسؤول عن المحروقات لدى الكازينو على الفاتورة وطالبت الكازينو بتسديدها". إزاء هذا الكتاب تشير مصادر الى أن "كريدي عقد إجتماعاً بخصوص الشحنة وبنتيجته تم الاتفاق على تسديد قيمة الشحنة المتنازع عليها".
تشير مصادر مطلعة على الملف في هذه القضية، الى أن "الموظفين روني نصر وتوفيق غصن لم تتم محاسبتهما كما أشارت اللجنة في خلاصة تحقيقها، بل على العكس بقيا في منصبهما حتى العام 2015 وقد تم صرفهما مع زملائهم الـ191 مؤخراً ولا علاقة للمسألة بشحنة المازوت تلك بل لأنهما فقط غير منتجين".
تتوسّع المصادر في الكلام لتذهب في حساباتها أبعد من ذلك في قضية استهلاك المازوت في الكازينو، وتشير الى أنه "وبحسب الفواتير المدونة فإنه يصل يومياً الى هذه المؤسسة من واحد الى ثلاثة صهاريج، ويحمل كل منها حوالي الثمانية عشر ألف ليتر وبالتالي فإنه وبحسب الفواتير فإن الكازينو يستهلك يومياً أربعة وخمسين ألف ليتر". ولكن المفارقة وبحسب المصادر عينها فإن "في المؤسسة أربعة مولدات وإذا افترضنا أن الكهرباء مقطوعة بشكل كامل وجميعها تستعمل فإن إستهلاك الكازينو من المازوت لا يمكن أن يزيد عن الثلاثة آلاف ليتر يومياً، فكيف يمكن أن يستهلك بحده الادنى ثمانية عشر الف ليتراً بحده الادنى بحسب الفواتير، والى جيب من تذهب هذه الأموال ومن هم المستفيدون من هذه المسألة؟!"
تطرح المصادر في الختام جملة تساؤلات، عن سبب عدم التوسّع بالتحقيق كما طالبت اللجنة، وعن التمنّع في البداية عن دفع فاتورة شحنة المازوت. كلّها جملة تساؤلات تختصر المصادر إجابتها بمسألة بسيطة تعود الى تدخّل "أحد النافذين وهو قريب من رئيس جمهورية سابق والضغط باتّجاه لملمة هذه القضية وعدم فضحها".