بين النظام السوري والأكراد علاقة جدلية تتحسّن حيناً وتتراجع حيناً، من دون أن تثبت على خطٍ مستقيمٍ وواضحٍ، وجديدها السلبي تمثّل هذه المرة، بغياب التمثيل الكردي عن الحكومة السورية بشكلٍ تام، الأمر الذي انتقده مسؤول سوري - كردي بشدة، متسائلاً عمّا إذا كان "هناك من يريد دفع الأكراد للتفتيش عن مكانٍ آخر لتمثيلهم"...
هذا الانتقاد لم يخرج الى العلن بل بقي ضمن الاوساط الداخلية والخاصة، فعين الاكراد على ما يجري في الشمال ان كان في حلب ومن ورائها تركيا، وهم بانتظار ردات فعل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان حول سيطرتهم على منبج وجلاء التفاهم الروسي - التركي الذي يبدو في غير صالحهم.
القراءة الكردية لمجريات الاحداث واضحة بأن الرئيس التركي اصبح مطوقا بتداعيات الحرب السورية، ارهاب عند الحدود وتمدد كردي على امتدادها، وفي الداخل اقتصاد متعثر وسياحة تسجل اعلى تراجع لها منذ تسعينات القرن الماضي، اما الاهم بالنسبة للاكراد فهو تثبيت مناطق سيطرتهم والوصول الى بلدة عفرين لربطها بالبلدات التي يسيطرون عليها في الحسكة بشمال حلب.
يدرك الاكراد ان مشروع اقامة دولة في الشمال السوري غير واقعي وان اعلان الفدرالية لم يغير شيئاً سوى انه فتح الباب امامهم للعمل على تثبيت سلطتهم وادارتهم في الشمال الشرق السوري، لكن لم يؤد بعد الى فرض امر واقع، اذ يحافظ الجيش السوري والاجهزة الامنية ومعهم مجموعات من الدفاع الوطني على وجودهم في مدينتي الحسكة والقامشلي رغم الاشتباكات المتقطعة والتوترات المتزايدة بين الطرفين، لكن الامر لازال تحت السيطرة والمصالح والاهداف المشتركة.
"الاكراد ورقة الضغط على تركيا" و"وجود الشرعية السورية يمنع التدخل التركي في المنطقة وضرب الاكراد"، معادلة تدعمها ايضا مصلحة الاكراد في ابقاء مطار القامشلي الداخلي مع دمشق مفتوحا رغم وجود معبر "سيمالكا" بين الحسكة واقليم كردستان ويؤكد عدم تخلي الدولة السورية عن الحسكة.
في مقابل الانتقاد الكردي، يرد مسؤول سوري رفيع المستوى بأنّ "الامر ليس له ابعاد كبيرة"، لكنه يوضح بأن الاكراد في شمال سوريا تكررت اخطاؤهم وزادت استفزازاتهم للجيش السوري، ويؤكد المسؤول ان كل ما يحاول الاكراد فعله من تثبيت وجودهم وسيطرتهم على مناطق معروف بان لا وجود لهم فيها مثل منبج في شمال شرق حلب والشدادي في جنوب الحسكة لن يؤدي الى انشاء كيان كردي موسع. ويشدد المسؤول على ان الطموحات الكردية كبيرة، إلا أنّهم في الواقع محكومون بالعدد ورفض العشائر العربية في المنطقة لسيطرة الاكراد عليهم، ويلمح الى انهم في نهاية الامر ورقة الضغط والحل مع الاتراك.
ولا يستبعد المسؤول السوري حصولهم على ادارة ذاتية في الشمال ضمن مناطق محددة لكن ليس في جميع الاراضي التي يسيطرون عليها حاليًا مهما حاولوا توسيع رقعة الاراضي، ويرى ان التوسيع الكردي يهدف الى رفع شروط الاكراد في المحادثات المقبلة والضغط اكثر على التركي.
في المقابل، دفعت مؤشرات معركة حلب المسؤول الكردي لطرح تساؤلات عدة حول توقيت المعركة وربطها بنتائج التفاهم التركي- الروسي وترك الاتراك الجيش السوري يطوق المدينة من جهة الكاستيلو ومن ثم فك الطوق من الجنوب، ويتطلع المسؤول الكردي الى ما يجري من تفاهمات روسية - تركية – ايرانية، واضعًا المسالة الكردية رهن الانتظار.
يفهم الاكراد ان تحذيرات اردوغان حول تغيير خريطة سوريا يهدف الى تنبيه دمشق من مسألة الاكراد، ويدركون ايضا انهم لطالما دفعوا الثمن وهم الطرف الاضعف في لعبة الامم، لكن فرصتهم اتت باتفاق ودعم دولي أميركي - روسي للحصول على اقليم خاص بهم وهم الان في طور توسيعه وتثبيته والبحث عن شكل الحكم وصلته بالحكومة السورية والتحرك بين التناقضات الاقليمية ما بين علاقتهم الجيدة مع ايران والمعادية مع تركيا.