تحليلات كلمة السيد حسن نصر الله بمناسبة الذكرى العاشرة لانتصار تموز، تفاوتت بين المتفائلة بقرب انتهاء الأزمة الرئاسية وبين المبالغة في التفاؤل، رغم أن كلام السيد نصر الله يأتي على الدوام واضحاً وليس بحاجة إلى تحليل وتأويل.

وإذا كانت رئاسة المجلس النيابي بعد انتخابات نيابية مقرّرة حتماً في ربيع العام 2017، محسومة لدى قيادة حزب الله، للرئيس نبيه بري، وقطعت الطريق على من "اجتهدوا" سابقاً بأن هذه الرئاسة آيلة للنائب محمد رعد، فلأن المقاومة لا ترغب بمزيد من السهام عليها في حال تصدرت المشهدية السياسية الأمامية من جهة، ولأن "البلوك الشيعي" ممنوع المساس بوحدته وتماسكه من جهة أخرى.

أما في ما يتعلق برئاسة الجمهورية، وتأكيد سماحة السيد أن الخيار الأوحد بدعم العماد ميشال عون، فدون وصول العماد عون إلى بعبدا مسافات شاسعة، ولا طائل من تفاؤل الأنصار وتشاؤم الخصوم، خصوصاً أن الرهانات على العوامل الدولية والإقليمية والداخلية تصبّ لغاية الآن ضد مصلحة إملاء الفراغ الرئاسي.

دولياً، لا أميركا المربكة بانتخاباتها خلال الخريف المقبل، مهتمة بالشأن اللبناني، خصوصاً بعد قيام 70 شخصية من الحزب الجمهوري بمطالبة قيادة الحزب عدم الاستمرار بدعم حملة المرشح دونالد ترامب مالياً، وهذه ظاهرة غير مسبوقة في أميركا؛ أن يصل مرشح أمر واقع لحزب كبير رغماً عن إرارة شريحة كبيرة غير مقتنعة به، ما يعزز الفرص أمام المرشحة الخصم هيلاري كلينتون، ولا أميركا ستكون بعد فوز كلينتون - شريكة أوباما في صنع "داعش" - من مصلحتها التوقّف عن رسم الشرق الأوسط الجديد، وخلق "الإسرائيليات"، وبالتالي الاهتمام باستيلاد رئيس للبنان، لاسيما أنه في نظرها ليس أكثر من "دولة حزب الله".

ودولياً أيضاً، فإن الدول الأوروبية منهكة لا بل مرهقة، سواء على مستوى وضعها الداخلي في مواجهة الإرهاب، أو على مستوى التحديات التي يعيشها الاتحاد الأوروبي، وتداعيات انسحاب بريطانيا منه، إضافة إلى صعود اليمين المتطرف واهتزاز عروش بعض أنظمة الحكم، وأخيراً وليس آخراً قيام ورش إصلاحات دستورية وقضائية ولوجستية لتحصين أمن الدول الأوروبية على ضوء ما أحدثته ظاهرة "الإسلاموفوبيا" ضمن المجتمعات الأوروبية، والدور الأوروبي في الشرق الأوسط قد تراجع بشكل لافت، خصوصاً بعد أن باتت نار الشرق الأوسط داخل أوروبا.

إقليمياً، الصراع السعودي - الإيراني بلغ حدود الذروة، سواء في اليمن أو العراق أو سورية، خصوصاً بعد الانقلاب الذي أحدثته القمة التي جمعت الرئيسين الروسي والتركي، وحصول ما يشبه الانقلاب الحتمي في التعاطي التركي مع الأزمة السورية، ما خلط الأوراق السعودية في سورية والعراق، وزاد من حجم التهوُّر السعودي في التعامل مع الأزمات، سواء بعد انتقال الحرب اليمنية إلى الجنوب السعودي، أو الإرباكات الداخلية بين الأجنحة العائلية، حيث الكل يحاول كبح جماح الكل، والحلقة الأضعف في الصراع هو الملك المطروح على فراش المرض، فيما الورثة يتقاتلون، ومادامت السعودية مهزومة إقليمياً وغير مستسلمة، فهي وإن كانت عاجزة عن فرض رئيس في لبنان، تبقى قادرة على منع حلفائها من انتخاب رئيس.

داخلياً، فإن المسألة ليست في وصول العماد عون إلى بعبدا، لمرحلة إنتقالية من سنتين أو لولاية كاملة من ست سنوات، بل هي في عدم إمكانية عودة الرئيس الحريري إلى السراي، وإذا كان السيد نصر الله قد أبدى ليونة واستعداداً للتحاور حول اسم رئيس الحكومة العتيد، فإنه وضع الحريري أما الخيار المرير والممنوع، لأن هذا يعني أن يرتضي الحريري دخول "بيت الطاعة" في الضاحية الجنوبية، وأن ينسف كل مواقفه السابقة من المقاومة، سواء في الداخل أو في سورية، وأن يسحب خلفه كل نوابه الذين بنوا حيثيات على مواقفهم المعادية للمقاومة، ضمن جزء من الشارع السُّني، والتراجع عن هذه المواقف يعني القضاء على ما بقي من أحلامهم في انتخابات العام 2017.

كل المؤشرات تدلّ حتى الآن على أن الحريري الذي يواجه متاعب مادية قاضية على مستقبله في السعودية، نتيجة ما حصل لشركة "سعودي أوجيه"، ومعركة "تكسير الرأس" على هامش تصفية هذه الشركة، التي كسبها ولي العهد محمد بن نايف؛ الخصم اللدود للحريري، على ولي ولي العهد محمد بن سلمان، والتي انتهت إلى إنهاء "سعودي أوجيه"؛ المورد الرئيسي للحريري، وبذلك فإن الأخير بحاجة إلى العودة إلى لبنان، ومن باب السراي، لأنه مرهق مادياً، ومفلس سياسياً، وقد وضعه السيد نصر الله في خطابه الأخير على مدرج غير صالح للهبوط.

الرئيس نبيه بري عائد إلى الرئاسة الثانية في العام 2017، لكن العماد عون بحاجة إلى قرار حريري بالمشاركة في انتخابه، ومادام قرار الحريري نيابياً هو بالكامل في السعودية، وغير مسموح له سعودياً الانقلاب على مواقفه لاسترضاء حزب الله، وغير مسموح له بالتالي انتخاب العماد عون، ومادامت إيران تنتصر إقليمياً والسعودية تنكسر، ومادامت المقاومة هي رأس حربة محور المقاومة في تحقيق انتصارات تقلب المعادلات الأميركية - الخليجية - "الإسرائيلية"، فلن يكون الحريري في السراي، ولا العماد عون في بعبدا.